الحمد لله المستحق لغاية المحامد نحمده على عظيم احسانه واكرامه لنا بشامل النعم التي تعمنا والتي أعظمها هي شرف الرسالة والتكليف والصلاة والسلام على أشرف الخلق عبدالله ورسوله المصطفى الأمين محمد بن عبدالله الهادي البشير النذير وعلى آل بيته الطيبين وعلى الصحب الميامين ومن اهتدى بهديهم الى يوم الدين
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق؛ وألحقتُ بذلك الادلة والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم جمعا بين النصوص او الترجيح بينها وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها مخالفا الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم ....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي

الدلالات البلاغية في استعمالات المصدر


بقلم : د.زياد حبوب أبو رجائي
زياد أبو رجائي

استهلال حول المصدر :
المصدر اسم يدل على حدث مجرد من الزمن وكان له فعل يجري عليه؛ ويسمى اسم المعنى إذا كان ليس له فعل يجري عليه كالقهقرى، ويأتي كثيرا في كلام العرب ومتوافر في القرآن الكريم.
والخلاف قائم بين أئمة النحو في تأصيل المصدر من عدمه؛ فالبصريّون يرون أنّ المصدر هو أصل المشتقّات والأفعال بخلاف الكوفيين فإنهم يرون أنّ الفعل الماضي هو أصل المصادر والمشتقّات؛ والصحيح مذهب البصريين؛ لأن المصدر -كما أسلفت- هو يشير الى حدث فقط بينما الفعل فيه معنى زائد وهو بالاضافة الى اشارته الى الحدث فإن فيه إخبار بوضوح عن زمن وقوع الحدث، لذلك فالفرع لا بد فيه من معنى الأصل وزيادة، لأن الفعل يدل على الحدث والزمان بلا ريب(1)
وذكر السيوطي عن ابن عطية:كقاعدة في أصول الفقه:
- إذا ورد المصدر مرفوعاً : يكون الأمر الشرعي على سبيل الواجبات كقوله تعالى - فإمساك بمعروف أوتسريح بإحسان
- إذا ورد المصدر منصوباً : يكون الأمر الشرعي على سبيل المندوبات كقوله تعالى - فضرب الرقاب -
وقال أبوحيان: والأصل في هذه التفرقة قوله تعالى - وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (هود:69) - فإن الأول مندوب والثاني واجب. والنكتة في ذلك أن الجملة الاسمية أثبت وآكد من الفعلية.
الدلالات البلاغية في استعمالات المصدر
أولاً: أسلوب المبالغة:
1- بالاخبار بالمصدر:
إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ(البقرة:102)
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ(البقرة:194)
وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا(النساء:5)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (الاعراف:45)
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا(التوبة:37)
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (الانبياء:30)
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (الملك:27)
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (الحاقة:48)
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (القدر:5)
كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (مريم:82)
2- النعت بالمصدر :( النعت بالمصدر أسلوب عربي معروف ، أشار إليه في الخلاصة بقوله :ونعتوا بمصدر كثيرا ... فالتزموا الإفراد والتذكيرا
أن تنزيل المصدر منزلة الوصف إما على حذف مضاف ، وإما على المبالغة .
وهذا الاسلوب هو احد اساليب اللغة البلاغية فقد قرر علماء البلاغة أن النعت بالمصدر يكون من باب: المبالغة؛ وبعضهم يقول : هو بنية المضاف المحذوف ، وعلى الأول فالمعنى هذا القرآن ذو هدى أي يحصل بسببه الهدى لمن اتبعه كقوله { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } [ الإسراء : 9 ]، وعلى الثانى فالمعنى أن المراد المبالغة فى اتصاف القرآن بالهدى حتى أطلق عليه أنه هو نفس الهدى.
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (هود:46)
إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (غافر:47)
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (الكهف:14)
أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا (الكهف:41)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (الفرقان:47)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الواقعة:80)
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (الطارق:13)
وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ(يوسف:18)
ثانياً: أسلوب التوكيد
3- التاكيد بالمصدر :( لإجماع النحاة على أن ذكر المصدر بعد الفعل تأكيد للفعل )لأن العرب إنما تردف الفعل بالمصدر إذا أرادت أن الفعل وقع حقيقة، وقد تجيء به مبالغة وإن لم يقع )
كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (مريم:79)
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (المزمل:4)
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (نوح:18)
وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (النساء:164)
ثالثاً: الاسم الذي يعمل عمل الافعال
4- يعمل عمل الأفعال
يشترط في عمل المصدر أن يصلح تقديره او أن يحل محله :
- أن والفعل (المصدر المؤول)
- ما و الفعل ( ما المصدرية)

يعمل المصدر عمل فعله سواء أكان محلى بأل , أم مضافاً , أم مجرداً من أل والإضافة.
حقائق حول إعمال المصدر :
إعمال المصدر المضاف أكثرَ ورودا في لغة العرب. نحو: ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)
أجاز البصريون إعمال المصدر غير المضاف على قلته في لسان العرب؛ بينما منع الكوفيون إعمالَ المصدر غير المضاف ومَا ورد بعدَه مرفوع أو منصوب حملوه على إضمار فعل من لفظ المصدر، وكذلك على قلة إعمال المصدر المحلى باللام
إعمال المصدر المنون شائع ذائع وهو القياس كما في قوله تعالى : { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)سورة البلد}فإطعام مصدر وفاعله مستتر ويتيما مفعوله.
إعمال المصدر محلى بأل قليل في لسان العرب
أجاز الكوفيون إعمال المصدر محذوفاً وإبقاء عمله، وهو لا يجوز عند البصريين نحو:( وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً) قال الزمخشري حسناً مفعول به لمصدر محذوف مضاف إلى والديه أي وصيناه بإيتاء والديه أو بإيلاء والديه حسناً.
لا يعمل المصدر المؤكد نحو ( ضربت ضرباً الخادم )
لا يعمل المصدر المبين للعدد نحو ( زرت زيارتين المريض )
لا يعمل المصدر الدال على التشبيه نحو ( للسيارة صوت صوت الرعد)



(1) انظر هذه المسألة وأدلة الفريقين في كتاب: الإنصاف لابن الأنباري 1/235 / همع الهوامع 2/12.