الحمد لله المستحق لغاية المحامد نحمده على عظيم احسانه واكرامه لنا بشامل النعم التي تعمنا والتي أعظمها هي شرف الرسالة والتكليف والصلاة والسلام على أشرف الخلق عبدالله ورسوله المصطفى الأمين محمد بن عبدالله الهادي البشير النذير وعلى آل بيته الطيبين وعلى الصحب الميامين ومن اهتدى بهديهم الى يوم الدين
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق؛ وألحقتُ بذلك الادلة والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم جمعا بين النصوص او الترجيح بينها وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها مخالفا الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم ....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي

جواز الجمع بين إذا والفاء في جواب الشرط


بقلم : د.زياد حبوب أبو رجائي
زياد أبو رجائي
هذه القاعدة قد اختلف فيها النحويون بين مجيز لها ( البصريون ) وبين مانع لحدوثها ( الكوفيون)، ومن منعوا حدوثها اصطدموا بوجودها في القرآن الكريم لذلك اضطروا - كعادتهم - إلى تاويل الآية التي تاتي عكس ما تشتهي قاعدتهم ، إلا أن وجود القاعدة في القرآن المجيد لا يبق مجالاً لهم لذكر جواز حدوث القاعدة مع التاكيد على جودة استعمالها في ذات السياق ، وهكذا لا يضطرون إلى تاويل آيات الله لتتماشى مع ما يقررونه من قواعد.
القاعدة هي : عدم جواز الجمع بين ( إذا والفاء ) في جواب الشرط
والذي نراه راجحاً - إن شاء الله - هو القول بها وتذييلها بالقول بالجواز ليصبح نص القاعدة :
الأغلب عدم جواز الجمع بين إذا والفاء في جواب الشرط .
وهذا اختيار موفق ؛ فتقرير كلمة الأغلب في نص القاعدة محاكاة للقرآن يقرر صحة الاستعمال وسيغنينا عن معارضة القرآن - والعياذ بالله - الذي ما جاء إلا بلسان عربي مبين ! فلو جاء القرآن الكريم بعكس ما يتكلم به العرب لاعترض الاعراب على ذلك ، بل لوجدوا في ذلك ثغرة يعيبون فيها على الكتاب وعلى محمد صلى الله عليه وسلم ولكن التاريخ لم ينقل هذا، فبالتالي هذا الزام بان جمع القرآن بينهما يلغي أي مجالا لمنع الجمع.
قال تعالى في سورة : الانبياء :
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
فإذا دخلتها الفاء تظاهرت على وصل الجزاء بالشرط
حديثنا يتركز في هذه الآية حول :
إذا فتحت ياجوج وماجوج ....
جواب الشرط : فإذا هي شاخصة أبصار .....
والاشكال الذي برز للبصريين هو اتصال الفاء بـ إذا في جواب الشرط حيث يعتبرون إذا نائبة عن الفاء(1) ،اذ انهم يمنعون ذلك الجمع ومنهم : سيبويه والخليل والنحاس والزجاج والسيوطي ، لذلك اعتبروا ان جواب الشرط هو : جملة ( يا ويلنا) ؛ أي القول المقدر قبله فإنه بتقدير قالوا يا ويلنا .
واما الكوفيون وجمع غفير من النحاة (2) قالوا أن : (واقترب الوعد الحق) جواب الشرط ، و:{ فَإِذَا هِىَ شاخصة أبصار الذين كَفَرُواْ } واقعة في جواب الشرط ، وإذا للمفاجأة وهي تسد مسد الفاء الجزائية في الربط وليست عوضاً عنها فمتى كانت الجملة الاسمية الواقعة جزاء مقترنة بها لم تحتج إلى الفاء نحو { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } [ الروم : 36 ] وإذا جىء بهما معاً كما هنا يتقوى لربط ، والضمير للقصة والشأن وهو مبتدأ و { شاخصة } خبر مقدم و { أبصار } مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر الضمير ، ولا يجوز أن يكون { شاخصة } الخبر و { أبصار } مرفوعاً به لأن خبر الضمير الشأن لا يكون إلا جملة مصرحاً بجزءيها
قال الزمخشري : وإذا هي المفاجأة وهي تقع في المفاجآت سادة مسد الفاء لقوله تعالى { إذا هم يقنطون } فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط ، فيتأكد
وهذا الفتح لسد يأجوج ومأجوج وهما قبيلتان عظيمتان من بني آدم، وقد سد عليهم ذو القرنين، لما شكي إليه إفسادهم في الأرض، وفي آخر الزمان، ينفتح السد عنهم، فيخرجون إلى الناس في هذه الحالة والوصف، الذي ذكره الله من كل من مكان مرتفع ، وسيكون فى زمن نزول عيسى من السماء ، وبعد قتله الدجال .
فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه من حديث طويل : إن الله - تعالى - يوحى إلى عيسى بعد أن يقتل الدجال : أنى قد أخرجت عبادا من عبادى ، لا يدان لك بقتالهم ، فحرز عبادى إلى الطور ، فيبعث الله - تعالى - يأجوج ومأجوج وهم كما قال - سبحانه - { مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } ثم يرسل الله عليهم نغفا - فى رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة " .

(1) انظر النحو الوافي 465 المجلد الرابع طبعة المعارف وانظر همع الهوامع للسيوطي 60 المجلد الثاني
(2) ابن عطية ، العكبري ، البيضاوي ، الألوسي ، الفراء والزمخشري والفخر الرازي وآخرون.