الحمد لله المستحق لغاية المحامد نحمده على عظيم احسانه واكرامه لنا بشامل النعم التي تعمنا والتي أعظمها هي شرف الرسالة والتكليف والصلاة والسلام على أشرف الخلق عبدالله ورسوله المصطفى الأمين محمد بن عبدالله الهادي البشير النذير وعلى آل بيته الطيبين وعلى الصحب الميامين ومن اهتدى بهديهم الى يوم الدين
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق؛ وألحقتُ بذلك الادلة والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم جمعا بين النصوص او الترجيح بينها وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها مخالفا الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم ....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي

مذهب سيبويه : جواز جعل النكرة خبراً عن الموصول


بقلم : د.زياد حبوب أبو رجائي
زياد أبو رجائي
قال تعالى : وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا ( البقرة :26)
قد اختلف النحاة في { ماذا } فقيل : هي بمنزلة اسم واحد بمعنى : أي شيء أراد الله ، فتكون في موضع نصب بأراد . قال ابن كيسان : وهو : الجيد .
وقيل « ما» اسم تام في موضع رفع بالابتداء ، و «ذا» بمعنى الذي ، وهو : خبر المبتدأ مع صلته ، وجوابه يكون على الأوّل منصوباً وعلى الثاني مرفوعاً .
وقال اهل اللغة ان العرب قد استعملت « مَاذَا » على ستة أوجه في استعمالهم :
الأول : أن تكون ( ما ) استفهامية في موضع رفع لأنه مبتدأ ، و ( ذا ) اسم موصول بمعنى الذي وما بعده صلته ، والمجموع خبر « ما » ، وأخبر عن المعرفة بالنكرة هنا بناءً على مذهب سيبويه في جوازه في أسماء الاستفهام وغيره يجعل النكرة خبراً عن الموصول. بدليل وقوع الاسم جواباً لها مرفوعاً في الفصيح ، وبدليل رفع البدل قال الشاعر :
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
فتأويل الآية : ما الذي أراد الله بهذا المثل مثلا."فذا"، الذي مع"ما"، في معنى"الذي"، وأراد صلته، وهذا إشارةٌ إلى المثل
الثاني : أن تكون ( ماذا ) كلها استفهاماً . بمعنى : أي شيء ، منصوب المحل على المفعولية مثل ما أراد الله ، وهذا الوجه هو الذي يقول بعض النحويين فيه : إن ذا لغو ولا يريد بذلك الزيادة بل المعنى أنها ركبت مع ما وصارت كلها استفهاماً ، ويدل على هذا الوصف وقوع الإسم جواباً لها منصوباً في الفصيح ، وقول العرب : عماذا تسأل بإثبات ألف ما ، وقول الشاعر :
يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم ... لا يستفقن إلى الديرين تحتانا
وهذان الوجهان فصيحان اعتبرهما سائر المفسرين والمعربين في الآية ، والاستفهام يحتمل الاستغراب والاستبعاد والاستهزاء.
الثالث : أن يجعل ( ما ) استفهامية ، و ( ذا ) صلة لا إشارة ولا موصولة
الرابع : أن يجعلا معاً موصولاً ، وهو قليل ، قال الشاعر :
دعي ماذا علمت سأتقيه ولكن بالمغيب نبئيني
الخامس : أن يجعلا نكرة موصوفة ، وأجاز الفارسي أن تكون ماذا نكرة موصوفة .
السادس : أن تكون ( ما ) استفهامية ، و ( ذا ) اسم إشارة خبر له .
لكن الأصل في« ذا » أنها اسم إشارة ، فمتى أريد موضوعها الأصلي كانت ماذا جملة مستقلة ، وتكون (ما) استفهامية في موضع رفع بالابتداء و(ذا) خبره .
قال ابن عاشور :
وأصل ( ماذا ) كلمة مركبة من ما الاستفهامية وذا اسممِ الإشارة ولذلك كان أصلها أن يسأل بها عن شيء مشار إليه كقول القائل ماذا مشيراً إلى شيء حاضر بمنزلة قوله ما هذا . غير أن العرب توسعوا فيه فاستعملوه اسم استفهام مركباً من كلمتين وذلك حيث يكون المشار إليه معبراً عنه بلفظ آخر غير الإشارة حتى تصير الإشارة إليه مع التعبير عنه بلفظ آخر لمجرد التأكيد ، نحو ماذا التواني ، أو حيث لا يكون للإشارة موقع نحو : { وماذا عليهم لو آمنوا بالله } [ النساء : 39 ] ولذلك يقول النحاة إن ذا ملغاة في مثل هذا التركيب . وقد يتوسعون فيها توسعاً أقوى فيجعلون ذا اسم موصول وذلك حين يكون المسؤول عنه معروفاً للمخاطب بشيء من أحواله فلذلك يُجرون عليه جملة أو نحوَها هي صلة ويجعلون ذا موصولاً نحو : { ماذا أنزل ربكم } [ النحل : 24 ] وعلى هذين الاحتمالين يصح إعرابه مبتدأ ويصح إعرابه مفعولاً مقدماً إذا وقع بعده فِعل . والاستفهام هنا إنكاري أي جعل الكلام في صورة الاستفهام كناية به عن الإنكار لأن الشيء المنكر يستفهم عن حصوله فاستعمال الاستفهام في الإنكار من قبيل الكناية ، ومثله لا يجاب بشيء غالباً لأنه غير مقصود به الاستعلام . وقد يلاحظ فيه معناه الأصلي فيجاب بجواب لأن الاستعمال الكنائي لا يمنع من إرادة المعنى الأصلي كقوله تعالى : { عم يتساءلون عن النبأ العظيم } [ النبأ : 1 ، 2 ] .ويجوز أن يجعل جواباً عن استفهامهم تخريجاً للكلام على الأسلوب الحكيم بحمل استفهامهم على ظاهره تنبيهاً على أن اللائق بهم أن يسألوا عن حكمة ما أراد الله بتلك الأمثال فيكون قوله : { يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً } جواباً لهم وردا عليهم وبياناً لحال المؤمنين ، وهذا لا ينافي كون الاستفهام الذي قبله مكنى به عن الإنكار كما علمته آنفاً من عدم المانع من جمع المعنيين الكنائي والأصلي . وكونُ كلا الفريقين من المضلَّل والمهدى كثيراً في نفسه ، لا ينافي نحو قوله : { وقليل من عبادي الشكور } [ سبأ : 13 ] لأن قوة الشكر التي اقتضاها صيغة المبالغة ، أخصُّ في الاهتداء .
ويحتمل أن يكون « ماذا أراد الله » في موضع الحال ، ويحتمل أن يوقف على « ماذا » .
قال ابن عرفة : وَ « مَثَلا » إما تمييز أو حال ، وإما منصوب على المخالفة كما قال ابن منصور في شرح مقربه لما ( عدّ ) المنصوبات .
قال ابن عطية : ومعنى كلامهم هذا الإنكار بلفظ الاستفهام .
وقال الزمخشري في قولهم « مَاذَا » استرذال واستحقار .