الحمد لله المستحق لغاية المحامد نحمده على عظيم احسانه واكرامه لنا بشامل النعم التي تعمنا والتي أعظمها هي شرف الرسالة والتكليف والصلاة والسلام على أشرف الخلق عبدالله ورسوله المصطفى الأمين محمد بن عبدالله الهادي البشير النذير وعلى آل بيته الطيبين وعلى الصحب الميامين ومن اهتدى بهديهم الى يوم الدين
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق؛ وألحقتُ بذلك الادلة والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم جمعا بين النصوص او الترجيح بينها وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها مخالفا الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم ....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي

تأثير اقتران الحروف في دلالة النفي


بقلم : د.زياد حبوب أبو رجائي
       أدوات النفي تتشابه في نفي حدوث الفعل إلا ان لكل واحدة منها خصوصية تتمايز بها عن غيرها، ويتجلى معناها البلاغي في تأثيرها على حدوث الفعل من خلال السياق الجاري مجرى النفي.
وفعل النفي هو في الحقيقة فعل انكار، والانكار يمتد ما بين الانكار المؤقت والانكار المؤبد الذي لا يُظهر حدود انتهاء صرف النهي الى الايجاب وعدم امكانيةٍ تقترب الى الاستحالة؛ بخلاف الانكار المؤقت الذي تنتهي حدوده عند نضوج الظرف الذي كان يؤدي كصارف وقرينة.
لهذا كان من الضروري ولادة أدوات توظف لخدمة هذا المفهوم سواء في زمن الفعل الماضي او المضارع، أدوات يستخدمها المتكلم لتوصيل مراده ومقاصده في ذلك النص الأدبي.
وسألقي -في مقالتي- الضوء على اربع ادوات هي : لا - لم - لن - لما

وكما هو ظاهر للعيان فان مدار تركيبها على  اربع حروف هل: أ - ل - ن - م، كما انه يظهر-ايضا- ان الحرف المشترك فيها هو اللام بينما  الحروف الثلاثة الاخرى هي الداخلة على حرف اللام.
وكون كل حرف في لغة العرب يختص في معنى في ذاته-عند الاستقراء- فان دخول الحروف على بعضها يدخل في حيز زيادة المعنى ويتقرر بذلك ان كل زيادة في المبنى بالضرورة هي زيادة في المعنى(1) القاعدة المشهورة، وعليه ندرك مدى تقلب دلالة اللام عند اقتران الحروف الاخرى بها.
ومن الملاحظ -في ذلك- أن: تأثير دخول الحروف يظهر في تركيب هجين يؤدي وظيفة جديدة لم يكن يؤديها لوحده كما سيأتي لاحقاً، فالحروف إذا رُكِّبت تغيَّر حكمها بعد التركيب، عمَّا كانت عليه قبل التركيب؛ وهذا التأثير من مكنوناته تلك الجمالية البلاغية التي يبحث عنها النص باستهدافه للفكرة المقصودة دون عناء تحشيد جمل وألفاظ يمكن اختصارها بالوظيفة الناشئة الجديدة عن تركيب الحروف فيما لو استعملناها بالمفهوم البلاغي الكامن بها.
واللام -مدار البحث-: من خصائصها : الالصاق ومن مفهومه يشتق الجمع والضم، وأي زيادة على شكلها تدل على زيادة في معناها - كما في التفصيل الآتي: وهذا من البديهيات وإلا فلا لزوم للزيادة اذا لم تغير المعنى، او ان الزيادة لا معنى لها، ويجدر الاشارة هنا ان بعض النحاة -رحمهم الله- نفي ان تكون هذه الادوات مركبة بل هي بسيطة وتحمل الدلالة كما قررته لغة العرب ولهم مسوغاتهم المعتبرة في ذلك. إلا ان ذهني يميل الى التركيب في تذوق النص الأدبي والاستمتاع البلاغي.

أدوات النفي واتساع معنى النفي:
  • لا : امتداد زمن نفي حدوث الفعل وطول النفي ودوامه.
    • قال بعض النحويين : يمتدُّ بها الصوت ما لم يقطعه تضييق النفس، فناسب امتداد لفظها بامتداد معناها، ولاقتران الالف باللام فانه يحول بين تأدية اللام لوظيفتها في الالصاق والضم والجمع كصورة من صور خصيصة الالصاق التي تمتاز بها اللام كما قلنا.

    تطبيق بلاغي:
    • قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}(الانعا:103)
      • تشير الأداة لعدم حصول الادراك ابدا؛ قال ابن القيم -رحمه الله- في (بدائع الفوائد): فإنه لا يدرك أبدا وإن رآه المؤمنون فأبصارهم لا تدركه، تعالى عن أن يحيط به مخلوق
    • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا}(2)
      • تشير أداة "لا" للنفي المؤبد؛ أي: لعدم انتهاء حرصهما ابدا(3)

  • لن : نفي مؤقت لأقرب أزمنة الاستقبال إلى زمن المتكلم.
    والقرينة التي تصرف دلالة النفي من الدوام الى ترقب حصول الفعل هو حرف النون باقترانه مع اللام، حيث أرجع الخليل-رحمه الله- التركيب إلى أصله بانه مركب من (لا) النافية و(أن) الناصبة للفعل ، وهذا الاقتران قد تولد منه تركيبا هجينا يعكس المفهوم الكامن في كل أداة على حدة، فـ"لا" كما أسلفنا تحمل دلالة التأبيد والدوام لنفي الفعل، بخلاف أداة "أن" التي تختص بدلالة تحقيق وتأكيد الفعل، لذلك فإن المركب الهجين "لن" يحمل دلالة جديدة ما بين التحقق والاستحالة، ويؤدي وظيفة اخرى تساعد النص لاستهداف القصد باختصار، وهذه الدلالة:
    • توقف امتداد ودوام النفي حتى زمن المتكلم
    • تحيل حدوث الفعل من حالة الاستحالة الى حالة امكانية الحدوث
    • ترقب في حدوث الفعل بزوال الصارف والقرينة من خلال السياق

    تطبيق بلاغي :
    • قال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي}
      • تشير الأداة "لن" نفي حدوث الرؤية ، مع وجود امكانية للرؤية ، فقرينة حدوث الفعل هي استعمال "لن" كاداة نفي مما يجعل هذا النص القرآني الكريم يكذب من نفى الرؤية مطلقا، بمعنى ان القرآن ادخل على نص الآية أداة "لن" ليستهدف فكرة الرؤية ويصرف الذهن الى امكانية حدوثها بخلاف لو استعمل اداة "لا" والتي تعني -كما أسلفنا- دوام نفي حدوث الفعل، ويؤكد هذا الفهم لنص الآية الكريمة ما جاء في الحديث الصحيح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {( ما أَشْخَصَ أبصاركم عني ؟ قالوا: نَظرْنا إلى القمرِ ، قال : فكيف بكم إذا رأيتم الله جَهْرَةً ؟ ! ).أخرجه الآجري في "الشريعة" (ص 263- 264)}، وفي رواية اخرى:{ إنكم سترون ربكم عيانا}أي: بالعين (متفق عليه:ب(554 )، م(633 ).
    • قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي »
      • تشير أداة "لن" للنفي المؤقت؛ أي: ان النفي ينتهي بزوال القرينة وهي التمسك بكتاب الله وسنة النبي(4)
      • امكانية حدوث الفعل عند انتفاء الصارف والقرينة، والمعنى المستهدف المقصود في هذا النص-حديث النبي- انه فيمن يتمسك بالكتاب والسنة فان ذلك صارف للضلالة التي تزول بالتمسك بالكتاب والسنة.

  • لم: امتداد نفي حدوث الفعل في الزمن الماضي
    • تتخصص "لم" بنفي حدوث للفعل المضارع مع قلبه الى  الزمن الماضي؛ لذلك توغل هذه الأداة بامتداد نفي حدوث الفعل
    • تدخل على مضارع اللفظ، فتصرف معناه إلى الماضي
    • ليس شرطا ان يمتد النفي فيها الى زمن المتكلم وانما يفيها اشارة الى التوغل في الزمن الماضي مه تمدده لزمن المتكلم او انقطاعه قبل ذلك بخلاف الأداة "لما" فهي تفيد التصال حتى زمن المتكلم

    تطبيق بلاغي:
    • {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (آل عمران:151)}
      تأمل أداة  "لم" وتأثيرها على الفعل ينزل، فهي:
      • قلبت زمن الفعل الى الماضي
      • امتدت بنفيه الى ماض بعيد، بقرينة ان المتكلم هو الله -سبحانه وتعالى، ليس كمثله شيء- لا يعقل ولا يستساغ عقلا ان يطلب من المخلوقات ان يشركوا معه احدا وتم تقوية المعنى بتاكيد جزاء من يفعل ذلك النار وذمها كمثوى للظالمين.
    • {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (النساء:113)}
      • ينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه يعلم من قبل عن الكتاب والحكمة، وبين في مواضع أخر أنه علمه ذلك عن طريق هذا القرآن العظيم الذي أنزله عليه كقوله : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان ولكن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } (الشورى:52)
        وهذا تكذيب لمن جنح في قوله واعتقاده -عن عقيدة أهل السنة والجماعة- باثبات خصائص للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في علمه الغيب ماضويا او مستقبليا وان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعدو عن كونه بشر مثلنا يوحى اليه من ربه.

  • لما : نفي  أقرب الأزمنة الماضية إلى زمن المتكلم،
    • مركَّبٌة من (لم) الجازمة و(ما) الزائدة، وبذلك زادت المعنى عما كانت أداة "لم" تؤديه
    • تدلّ على المنفي بها متصل الانتفاء إلى وقت المتكلم
    • والنفي ب { لمّا } قد يُفهم منه ترقب حصول المنفي بعد ذلك.
      • قال ابن يعيش الفرق بين نفي الاثنين فيقول: ("لما " نفيا لقولهم: قد فعل، وذلك أنَّك تقول "قام " فيصلح ذلك لجميع ما تقدمك من الأزمنة، ونفيه " لم يقم "، فإذا قلت " قد قام " فيكون ذلك إثباتا لقيامه في أقرب الأزمنة الماضية إلى زمن الوجود، ولذلك صلُح أن يكون حالا … ونفيُ ذلك "لمَّا يقم " زدت على النافي وهو "لم" "ما" كما زدت في الواجب حرفا وهو "قد" لأنَّهما للحال ولمَّا ناظرتْ (لما) (قد) أُعطيت ما أعطيته (قد) من جواز حذف الفعل بعدها إذا دلَّ عليه دليل.

    تطبيق بلاغي
    • قوله تعالى:{أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (ص:8)}
      • دلالة اداة " لما " توميء بالتهديد وذلك في ترقبهم العذاب، فهي بمثابة قرينة يفهم منها ترقب حصول المنفي وهو العذاب، والتهديد حاصل من دلالتها على المنفي(العذاب) بها متصل الانتفاء حتى زمن نزول الآية الكريمة


هذا والله أعلم

أسأل الله لي وللمسلمين العلم النافع، والعمل الصالح. فهو ولي الهداية والتوفيق لما يقربنا إليه. إنه ولي ذلك والقادر عليه
وأسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا و أن يلهمنا العمل به إنه سميع مجيب.


زياد أبو رجائي
25-3-2012




(1) زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى
(2) النهمة شدة الحرص على الشئ، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :{منهومان لا يشبعان : طالب علم و طالب دنيا}(صحيح الجامع: 6624)
(3) جاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه : فأما صاحب العلم فيزداد رضا الرحمن ثم قرأ { إنما يخشى الله من عباده العلماء } [ فاطر : 28 ] وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان ثم قرأ { إن الإِنسان ليطغى أن رآه استغنى } والله أعلم.
(4) وهنا اشارة ان ذلك محتمل الحدوث
تتمة الموضوع...

قصيدة دع المكارم بين عمر والحطيئة


بقلم : د.زياد حبوب أبو رجائي
        في هذه المقالة ، سنتكلم عن شخوص اشتهرت كل في موقعها، وقد جمع الله بينهما تاريخيا في حدث، يظهر أحد طرفيه في غاية بالغة من خـُلـُق رفيع -طالما حثت عليه الشريعة- ألا وهو حسن الظن، وبطلها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والآخر طرف شاعر هجّاء مخضرم في الشعر هو الحُطَيْئة جَرْوَلٌ بن أوس بن مالك العبسي(1)؛ شاعر مخضرم متين الشعر؛ أدرك الجاهلية والإسلام من بني عبس، وكان يهجو ويكثر فيه معنفا، لا يكاد يسلم من لسانه أحد. ولقب بذلك لقصر قامته الشديد وقربه من الأرض لأن الحطيئة تصغير من الحطأة وهي القملة الصغيرة(2)
وقد انتفض امير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- غيْرَة على أعراض المسلمين؛ عندما كان الحطيئة الشاعر-غفر الله له- يكثرُ من الهجاء في أشعاره - هجاء المسلمين- بغير حق، حتى تمادى في الهجاء وغرق فيه، وهو ممن اشتهر عنه العقوق لوالديه:
قال يهجو أباه:
فنعم الشيخ أنت لدى المخازي            وبـئـس الشيخ أنت لدى الفعال
جمعت اللــؤم لا حــيـّاك ربــي          وأبـــواب الســفــاهــة والضلال
وقال يهجو أمه:
جَزاكِ اللهُ شرّاً من عجوزٍ ولَقَّاكِ العُقوقَ من البَنينَا
تنحي فاجلسي عني بعيــدا أراح الله مـنـك العالمــينا
أغربالا إذا استودعت سرا وكانونـا عــلى المتحدثينا
حياتك ما علمت حياة سوء وموتك قد يسر الصاحبينا
أغربالا: كناية عن عدم حفظ السر
كانونا: أي نارا وكناية عن شدة الغلاظة والغضب
وقال في هجاء زوجته:
أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُم آتِي إِلَى بَيْتٍ قَعِيدتُهُ لَكَاعِ
قعيدته: اي ربة المنزل
لكاع: لئيمة
وفي عمه وخاله:
لحاك الله ثم لحاك حقاً أباً ولحاك من عم وخال
لحاك : لعنك الله
بل أدى به إلى هجاء نفسه!
أرى لي وجهاً شوه الله خلقه فقُبح من وجهٍ وقبح حامله
  • بين يدي القصة
ابتداءً؛ -اعترف- أن: هذا حق وَجَبَ عليّ تبيانه، لمّا قرأتُ بعضَ من سَفِهَ نفسَه؛ يلمز بـابن الخطاب -رضي الله عنه- في قصته مع الشاعر الحطيئة، إلا أن الخوضَ في معاني القصة وتأويلها؛ -ذلك كله- طريقة ٌمعروفة ٌ لأهل الأهواء المبغضين لعمر بن الخطاب-رضي الله عنه-، وليس مثلي من يذب عن الخليفة الفاروق ، فقد ابدع علماء وأئمة أهل السنة والجماعة في هذا المقام -لكن احببت ان اتقرب فيه الى الله بحب هذا الصحابي الجليل- وهو:( رجل لا يحب الباطل )، لأبين عذر ابن الخطاب-رضي الله عنه- في ذلك وتوجيهها في المسار الصحيح التي ينبغي فهمها ضمن شخصية امير المؤمنين عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-.
فلا ينبغي لأحد أن يخرج عما مضت به السنة، وجاءت به الشريعة من ميزان الصحابة بما يليق بهم، قال الله تعالى:{رضي الله عنهم ورضوا عنه} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»(3)، وكيف لا ؟؛ وابن الخطاب بمنزلة مَيّزهُ اللهُ بها عن غيره من الأئمة فقد فاز في نعت الرسول له ولـابي بكر الصديق-رضي الله عنه- بقوله -صلى الله عليه وسلم- : «صاحباي».
وحسن الظن بالصحابي الجليل عمر بن الخطاب من -مقتضيات حب الصحابة (4). فإن عدمَ العـُدول عن نص ظاهر إلى تاويلات قد تخرج عن هذا الأصل، كما تفعل فرقة الرافضة!، يجب ان يتحكم في المقياس الذي نبنيه على هذا الحدث، لأن حُسْنَ الظن بالمسلمين -أهل الدين- واجبٌ، والتأويل لهم ما أمكن من أصول أهل السنة والجماعة في حفظ مكتنة الصحابة رضي الله عنهم اجمعين، فمدار رأيهم بين الأجر والأجرين ولا يتعدى ذلك.
أن "أكثر خطايا ابن آدم في لسانه" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ("السلسلة الصحيحة" 2 / 60) وهذا ما لا يتصف به الحطيئة، ولم يسلم منه المسلمون، فـ "المسلم من سلم الناس من لسانه و يده ( "السلسلة الصحيحة" 2 / 81 )
وكان يقال: عَقْلُ الرجل مدفون تحت لسانه. وقال يزيد بن المُهلًب: أكرهُ أن يكون عقلُ الرجل على طَرَف لسانه. يريد أنه لا يكون عقلُه إلا في الكلام.
وقال الشاعر:
كـَفَى بالـمرء عَيـْباً أن تراهُ لــه           وَجْــهٌ وليس له لسان
وقال صلى الله عليه وسلم: " ذبوا بأموالكم عن أعراضكم ، قالوا : يا رسول الله كيف نذب بأموالنا عن أعراضنا ؟ قال : يعطى الشاعر و من تخافون من لسانه ".("السلسلة الصحيحة"3 / 445)، لذا، لذلك السبب قد أجاز أبو موسى رضي الله عنه الحطيئة بالف، قال: سددت فمه بمالي أن يشتمني(!)
إن محملَ حُسْن الظن يجبُ أن يستحكمَ في نفس المسلم؛ ويُسْـتصْحبَ في الحكم المؤسس على قاعدة الايثار: "أحب لغيري ما أحب لنفسي"، هذا أساس متين في بنائية العلاقات البشرية، واسناد هذا الأس لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:« لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»(5)، ولأهمية هذا الحديث فقد دعى الامام مسلم -رحمه الله- ان يبوب في صحيحه بابا وضعه في خصال الايمان: (باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير)، لذلك لا نغلو إذا قلنا ان هذا الحديث أصل عظيم من أصول التربية الايمانية، وثمرة مرجوة منه في اشاعة الترابط المجتمعي مغلفة في أواصر الخير والمحبة بين أفراده.
وقد ورد في الحديث الصحيح النهي عن سوء الظن بالمسلم؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»(6).
لهذا كله كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يكثر من حسن الظن بإخوانه، بل يحمل ما يصدر عنهم من قول أو فعل على مَحْمَل حَسَن، متمثلاً قول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(الحجرات:6)}، وفي قراءة صحيحة {فتثبتوا}
وقد روي عنه - رضي الله عنه - "ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا (7)
وجاء في الأثر عن السلف الصالح: (إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره؛ فالتمس له عذراً واحداَ إلى سبعين عذرا، فإن أصبته، وإلا؛ قل: لعل له عذرا لا أعرفه)(8)
وأخرج البيهقي في الشعب عن سعيد بن المسيب قال : كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَنْ ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ مَا لَمْ يَأْتِكِ مَا يَغْلِبُكَ(9)
وهذا ما كان من الخليفة العادل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أن الناظر لقصة الحطيئة معه، يجد بكل سهولة أن الفساد يترتب على تقدير عدم فهم دلالة الهجاء في ابيات الحطيئة وما قد يترتب على ذلك من القدح به رضِيِ اللهُ عنه غير أن تقديم العذر له من باب التوضيح للمسألة ولا عبرة في ذلك على خطأ مقترف.
وبالذب عنه كما سياتي لاحقاً، من غير أن يترتب على هذا فساد -لم يصح- اخلالاً بالمعنى الذي يلتبس في حيثيات القصة، او يترتب على الأخذ به مخالفة أصل من أصول اللغة، أو خروج على قاعدة من قواعدها وأحكامها(!)
وخير قول: أن ما يترتب على ذلك التوجيه من معنى فاسد مبناه: الانجرار بالهوى والحقد الرافضي على سيدنا عمر ليس إلا! بل يترتب على إهماله ضرر؛ لأن الخلاف هنا غلو في الحقد وليس شكليا لا قيمة له كما يصوروه ، وقد يؤدي إلى اللبس واحتمال الوهم والغرق في الشبهات.
  • الشاعر الحطيئة:
أثر وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبداية خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثبتت طائفة على ما كانت عليه من الإسلام ولم تبدل ولزمت طاعة أبي بكر، وطائفة بقيت على الإسلام بيد أنهم امتنعوا عن دفع الزكاة إلى أبي بكر وامتنعوا عن السمع والطاعة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الحطيئة العبسي ممن ارتد وناصرهم، وأخذ أسيرا في عهد الصديق رضي الله عنه، ثم عاد وأسلم بعد حزم الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ودفاعه عن بيضة الاسلام واعادة لحمة الامة جميعا بعد موت نبيها صلى الله عليه وسلم.
قال الأصمعي: كان الحطيئة سؤولاً ملحفاً دنيء النفس كثير الشر قليل الخير، بخيلاً قبيح المنظر رث الهيئة مغموز النسب فاسد الدين.
  • الزِبْرِقانُ بن بدر السعدي رضي الله عنه:
الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي السعدي، يكنى أبا عياش، وقيل: أبو شذرة، واسمه الحصين. وقد تقدم في الحصين، وإنما قيل له الزبرقان لحسنه، والزبرقان القمر، وقيل: إنما قيل له ذلك لأنه لبس عمامة مزبرقة بالزعفران. وقيل: كان اسمه القمر، والله أعلم.
نزل البصرة، وكان سيداً في الجاهلية عظيم القدر في الإسلام، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم وكان يقال للزبرقان: قمر نجد، لجماله. وكان ممن يدخل مكة متعمماً لحسنه، وولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات قومه بني عوف، فأداها في الردة إلى أبي بكر، فأقره أبو بكر على الصدقة لما رأى من ثباته على الإسلام وحمله الصدقة إليه حين ارتد الناس، وكذلك عمر بن الخطاب.
ضبط محل النزاع:
التعريض و التحقير أسلوب بلاغي
هذا الاسلوب يدلنا على مدى ترك الكلمة أثرا في نفوس القوم، والصارف الذي يصرف المعنى للذم قوله: دع المكارم
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبُغيَتِها واقعدْ فإنَّك أنتَ الطَّاعمُ الكاسي
  • أداة « لا » بين النهي والنفي
والحق انه لا يوجد نزاعِ، بل توهم قد يظهر -للوهلة الأولى- في قراءة البيت، حيث لو قريء -دون تمعن- تجد توجيها خفيا - يتركب في الذهن - يذهب بك الى ربط العامل بمعمول مشترك بخلاف ما هو واقع، وهنا الضمير الغائب في الفعلين (دع ، ترحل) قد يتوهم بتعلقه بالمكارم
وهنا في هذه القراءة -السريعة!!- يكون التوجه بالمدح هو أقرب للسياق - مع عدم الانتباه أو التعلق بالحركة الظاهرة على فعل ترحل(وهي السكون)
دع المكارم لا ترحل المكارم لبغيتها
وخلاصة عدم الالتفات الى حركة الفعل "ترحل" يقلب الفعل من حالة الطلب الى حالة الاخبار
فهنا اخبار بان المكارم لا ترحل الى غيرك، وبالتالي فانك ذو مكارم جواد لانك تطعم وتكسو الناس
وهذا المعنى قد يصح لو ان الحركة الظاهرة على الفعل (ترحل) هو الضمة بدلا من السكون، لأنها قلبت الفعل إلى حالة النفي
فالفعل يدور مع الحركة في كونه نفي او نهي، والحركة تعتمد على الأداة، والأداة « لا» تعبير عن النهي، وبالتالي فإن المعنى لا يستقيم بأي حال من الاحوال -إلا توهما- اذ ان الحركة الظاهرة على الفعل (ترحل) هي السكون مما يعني انها في حيز النهي
وعليه...
تكون "لا" أداة نهي ( حالة طلب ) فهو يطلب منه الا يرحل الى طلب المكارم أي: كناية عن عدم امتلاكها أصلا، فالمنطق يقول ان من يطلب شيئا يكون مفقودا عنده والا لما لزم الرحيل والبحث عنه!
لذلك يصبح المعنى:
لا تذهب لطلب المكارم لانك تفتقدها، وكون المكارم معدومة لديه فانه بالضرورة ان تكون دلالة التضمين لاسم الفاعل صورة مقلوبة لاسم المفعول به - كما سياتي في النقطة التالية، وإلا كان التناقض في البيت واضح:
  • فاعل في معنى مفعول وأسلوب النسب
وهو اطلاق اسم الفاعل وتنسب إليه الصفة والمقصود يكون المفعول به
بهذا الاسلوب يكون الطاعم يعني: المطعوم ، والكاسي تعني المكسو
قالوا-في لغة العرب- للجبل الذي لا نبت فيه حالِقٌ وإنما هو محلوق من النَّبات
لذا لا ينكر أن يخرج «المفعول» على « فاعل»،كقوله تعالى:
{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ }(الحاقة:21) ومعناها: مرضية
{ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (الطارق: 6)}
وبلاغة هذا الاسلوب، إنما يريدون المبالغة والإجادة، وقال الفَرّاء: يعني المَكْسُوّ كماءٍ دافِق وعِيشة راضية
أي أنك ترضى بأن تشبع وتلبس، يقال: كسى الرجل يكسى إذا اكتسى ، فالمعنى يتضح بأنه: من كفي طعامه وكساءه، فاكتفى ولم يسع للمكارم
هو من باب النسب أي ذو طعام وذو كسوة، وعليه فإنه ذم ، أي أنه : ليس له فضل غير أنه يأكل ويشرب، وأنك ترضى بأن تشبع وتلبس


تفاصيل القصة
**********************
كان الزبرقان قد سار إلى عمر بصدقات قومه، فلقيه الحطيئة ومعه أهله وأولاده يريد العراق فراراً من المجاعة والجدب والقحط وطلباً للعيش، فقال الحطيئة: وددت أني أصبت رجلاً يحملني وأصفيه مديحي وأقتصر عليه. قال الزبرقان: قد أصبته، تقدم على أهلي فإني على إثرك، فأمره الزبرقان أن يقصد أهله وأعطاه أمارة يكون بها ضيفاً له حتى يلحق به، وقد كان بين الزبرقان وبين بني قريع مقارضة في الشعر فقد كانا يتنازعان الشرف، فأراد أن يستعين بالحطيئة عليهم وبشعره، وقال له : إلـْحقْ ببني سعد حتى آتيك فإنما أؤدي هذه الصدقة إلى أبي بكر ثم ألحق بك، قال: عمن أسأل؟ قال: أم مطلع الشمس ثم سل عن الزبرقان بن بدر ثم ائت أم سدرة فقل لها: يقول لك بعلك الزبرقان بن بدر أحسني إلى قومك، فإنها ستفعل.
ففعل الحطيئة ذلك، وكانت ابنته مليكة جميلة، فحسده بنو عمه بنو لأي فدسوا إلى الحطيئة فقالوا: إن تحولت إلينا أعطيناك مائة ناقة ونشد إلى كل طنب من أطناب بيتك حلة تحويه، وقالوا لامرأة الزبرقان: إنما قدم الزبرقان هذا الشيخ ليتزوج ابنته فقدح ذلك في نفسها، فكرهت امرأته مكانة مليكة فظهرت منها لهم جفوة ، فاغتنم بنو قريع هذه الجفوة، فدعوه إلى ما عندهم فأسرع، فبنوا عليه قبة ونحروا له وأكرموه كل الإكرام، فأتاه نقيض بن شماس فقال: يا أبا مليكة جئت من بلادك ولا أرى في يدك شيئاً، هل لك إلى خصلة هي خير لك مما أنت فيه، قال: ما هي؟ قال: مائة بعير وتتحول إلينا ونحن ضامنون لأهلك من عيالك أن يدبروا من حالك أن تخلفه، فتحول إليهم.
فقدم الزبرقان، فقال: أين جاري؟ قالت امرأته: خبث عليك، وقدم الزبرقان أسيفاً عاتباً على امرأته!
ثم أخذ الحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر، فقال في أبيات:
دع المكارم لا ترحلْ لبغيتها         واقعد فانك أنت الطاعم الكاسيعن الشعبي أن الزبرقان بن بدر أتي عمر بن الخطاب ، وكان سيد قومه ، فقال : يا أمير المؤمنين ان جرولا هاجني يعني الحطيئة فقال عمر : بم هجاك ؟ فقال بقوله :
دع المكارم لا ترحل لبغيته            واقعد فانك أنت الطاعم الكاسي
فقال عمر : ما أسمع هجاء ، أما ترضى أن تكون طاعما كاسيا?
فقال الزبرقان : يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده ما هجي أحد بمثل ما هجيت به ، فخذ لي ممن هجاني
وهنا امتثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأمر الهي من الآداب التي على أولي الألباب، التأدب بها واستعمالها كما جاء في الكتاب العزيز ألا وهو التثبت من الخبر!
فالفاسق في الرواية كما يظهر هو الحطيئة الشاعر، وفسقه يتبين بوضوح هجاء الصحابي الزبرقان رضي الله عنه
قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (الحجرات6)}
فكان يلزم التبين في نبئه على قراءة : فتبينوا . والتثبت على قراءة : فتثبتوا
فقال عمر : على بابن الفريعة ، يعني حسان بن ثابت ، فلما أتي به
قال له يا حسان : إن الزبرقان يزعم أن جرولا هجاه
فقال حسان بم ؟ قال بقوله : دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فانت الطاعم الكاسي
فقال حسان : ما هجاه يا أمير المؤمنين
قال فماذا صنع به ؟ قال سلح عليه أو ذرق عليه ( السلح هو الغائط (10)) كناية عن شدة الهجاء!!
فقال عمر : عليّ بجرول ، فلما جيئ به قال له : يا عدو نفسه تهجو المسلمين فأمر به، فألقاه عمر رضي الله عنه في حفرة وغطاه بساتر من الجلد فأصبح مظلماً، اتخذها أمير المؤمنين رضي الله عنه محبساً وسجنا في عهده، ولم تكن السجون مبنية، - فأول من بناها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بنى بالكوفة سجناً سماه مَخِيساً-، وقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا خبيث لأشغلنك عن أعراض المسلمين
فقال له:
تحنن علي هداك المليك فإن لـكـل مـقـــــــامٍ مــقـــــالا
ولا تأخذني بقول الوشاة فــــــإن لــــــكل زمانٍ رجــالا
فإن كان ما زعموا صادقاً فسيقت إليك نسائي رجالا

فلم يلتفت عمر إليه حتى كتب الحطيئة إلى عمر من السجن يا أمير المؤمنين.

مــاذا تــــقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجرُ
ألــقيت كاسبــَهم في قعر مظلمة فــارفق عليك سلام الله يا عـمرُ
أنت الامام الذي من بعد صاحبه ألـــقت اليك مقاليد النهى البشرُ
ما آثروك بها إذ قــدّمـوك لهــا لكـن لانـفسـهم كــانت بـك الاثرُ

والزغب : جمع الأزغب وهو ما يعلو جسمَه الزَّغَبُ ( شعيرات شقرات تظهر على جسم الاطفال )وهي كناية عن اولاه الصغار فلا معيل لهم كونهم أفراخ صغيرة
ذي مرخ : مكان سكناهم
كاسبهم: الذي يعمل ويكسب لهم لتحضير قوتهم
وكلمه فيه عمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم(البداية والنهاية 5/42)، وأخبر عمر برقة حاله وقلة نصر قومه له؛ فأخرج رضي الله عنه الحطيئة من الحبس، فدعاه
وقال رضي الله عنه :أشيروا علي في الشاعر ، فإنه يقول الهجر ، ويشبب بالحرم ، ويمدح الناس ، ويذمهم بغير ما فيهم قال : ما أراني إلا قاطعا لسانه » . فقالوا : لا ، يعود يا أمير المؤمنين ، وأشاروا إليه ، أن قل : لا أعود ، فقال : لا أعود يا أمير المؤمنين ، فقال : النجا
فقال له : إياك والشعر!؛ ويحك يا جرول لم تهجو المسلمين ؟
قال : لخصال احتوتني احداهن إنما هي :
  • نملة تدب على لساني
  • إذن تموت عيالي جوعا، إنما هي كسب ومأكلة عيالي، ويا أمير المؤمنين من عجز عن القوت كان أعجز منه عن السكوت
فدمعت عينا عمر رضي الله عنه ، وقال فشبب بأهلك، وإياك وكل مدحة مجحفة -وفي رواية- فإياك والمقذع من القول، قال : ومال المدحة المجحفة ؟ المقذع؟ قال : تقول بنو فلان خير من بني فلان : إمدح ولا تفضل، قال : أنت يا أمير المؤمنين أشعر مني.
ثم قال رضي الله عنه : كم رأس مالك من العيال ؟ فعدهم عليه فأمر لهم بطعام وكسوة ونفقة ما يكفيه سنة ، وقال له : إذا احتجت فعد الينا ، فلك عندنا مثلها ،ولا تهجون أحدا فأقطع لسانك.
فقال جرول : جزاك الله يا أمير المؤمنين جزاء الابرار وأجر الاخيار، فقد بررت ووصلت وتعطفت وأمتننت ، فلما مضى جرول
قال عمر : أيها الناس اتقو الله في ذوي الارحام وجيرانكم ، فمتى علمتم حاجتهم فواسوهم وتعطفوا عليهم ، ولا تحوجوهم إلى المسألة ، فان الله عزوجل يسأل العبد إذا كان غنيا مكفيا عن رحمه وقريبه وجاره إذا كان محتاجا أن يعطيه قبل سؤاله إياه. ((كنز العمال: 3/ 843-845))

من اخباره:
  • جاور الحطيئة قوماً من بنى كلاب،فلما جنه الليل سمع غناء، فقال: جنبونى ندى مجلسكم، ولا تسمعونى أغانى شبيبتكم. فإن الغناء رقية الزنى".(اغاثة اللهفان-ابن القيم)
  • كان الحطيئة وكعب الاحبار عند عمر رضي الله تعالى عنه فأنشد الحطيئة:
مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لَا يَعْدَمْ جَوَائِزَهُ لَا يَذْهَبُ الْعُرُفُ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ
فقال كعب: هي والله في التوراة: لا يذهب المعروف بين الله وبين خلقه
من يفعل الخير يجده عندي ولا يذهب الخير بيني وبين عبدي(( الكتاب : غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب- السفاريني 1/189 ))
  • استعمل عمر بن الخطاب على حوران علقمة بن علاثة فمات بها. وكان الحطيئة خرج إليها فمات علقمة قبل أن يصل إليه الحطيئة، فأوصى له علقمة كبعض ولده، فقال الحطيئة:
    فما كان بيني لو لقيتك سالماً وبين الغنى إلا ليال قلائل
فقال له ابنه: كم ظننت علقمة يعطيك؟ قال: مئة ناقة يتبعها مئة من أولادها. فأعطاه إياها.
وقيل إنه بلغه أنه في الطريق يريده، فأوصى له بمثل سهم من سهام ولده.
من اجمل أبياته:
أقـلـــوا عليهـــم لا أبــاً لأبـــيــكمُ من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

أولئك قـــوم إن بنوا أحسنوا البنا وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وإن كانت النعماء فيهم جزوا بهـا وإن أنعــمــوا لا كــدروهـا ولا كدوا
.....:::::::****::::::.....

ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو الســــعيد

وتقوى الله خير الزاد ذخــراً وعنـــــد الله للأتقى مــــزيد


الحطيئة عند وفاته عام 59 هـ / 665 م
  • لما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له: أوص؛ قال: بم أوصي؛ مالي للذكور دون الإناث؛ فقالوا: إن اللّه لم يأمر بهذا! فقال. لكني آمر به؛ ثم قال. ويل للشعر من راوية الشعر؛ فقيل له. أوص يا أبا مليكة للمساكين بشيء؛ قال. أوصيهم بالمسألة ما عاشوا فإنها تجارة لن تبور. قيل: أعتق عبد ك يساراً؛ قال: اشهدوا أنه عبد ما بقي. قيل. فلان اليتيم ما توصي فيه؟ قال: اوصي أن تأكلوا ماله وتنيكوا أمه؛ قالوا: ليس إلا هذا! قال: احملوني على حمار فإنه لم يمت عليه كريم لعليّ أنجو؛ ومات مكانه.
  • لما حضرت الحطيئة الوفاة ؛ قال : احملوني على حمار ؛ فإنه لم يمت عليه كريم قط ؛ فلعلي أن أبقى . ثم تمثل :
    ( لكل جديد لذة غير أنني ... وجدت جديد الموت غير لذيذ )
  • الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول: لما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له: أوص، قال: «أوصي المساكين بالمسألة»، قيل له: أوص في مالك. قال: «مالي للذكور دون الإناث»، قيل: ليس هذا قضاء الله، قال: «لكني أقوله» ثم قال: «احملوني على حمار، فإنه من يموت عليه كريم»(حلية الاولياء 9/136)

وفي هذا العام توفي سعيد بن العاص و أبو هريرة وقيس بن سعد بن عبادة ومعقل بن يسار المزني وعائشة ام المؤمنين رضي الله عنهم
والله أسأل أن أن ينفع بهذا العمل على قدر العناء فيه، وأن يجعله مخلص له تعالى




اعداد: زياد أبو رجائي
20-2-2012




(1) (انظر البداية والنهاية:7/246) هو الحطيئة جرول (والجرول: الحَجَر) بن أوس بن مالك العبسي، المتوفى سنة 45 هـ ، قال أبو عبيدة في النقائض : "كان المخبل القريعي أهجى العرب . . . ثم كان بعده حسان بن ثابت ، ثم الحطيئة ، والفرزدق ، وجرير ، والأخطل . هؤلاء الستة الغاية في الهجاء وغيره ، ولم يكن في الجاهلية ولا في الإسلام لهم نظير(النقائض:1048)
كني باسم ابنته: أبو مليكة
كان جوالاً في الآفاق يمتدح الكبار ويستجديهم، وكان سؤولاً، يمتدح الرؤساء من الناس، ويستجديهم ويقال كان بخيلا
(2) كتاب الاغاني (2/157) وكتاب الاصابة (1/ 378) : لقب بالحطيئة لانه ضرط ضرطة بين قوم، فقيل له، ما هذا ؟ فقال: إنما هي حطيئة: فسمي الحطيئة.
والحطيئة تصغير حطأة: فعلة من قولهم حطأ حطأ إذا ضرط (انظر: تاج العروس).
(3) البخاري (3007) ومسلم (2494) .
(4) أهل الحديث يحبون الصحابي لإسلامه وصحبته, ويترحّمون عليه ويرضون عنه, ويذكرون ماله من الفضائل ولا يسبّونه ولا يؤذونه.
(5) متفق عليه (البخاري ( 1 / 11 ) ، و مسلم ( 1 / 49 )) واللفظ للبخاري
(6) رواه البخاري انظر فتح الباري (9/ 198)
(7) رواه أحمد في الزهد كما في الدر المنثور (7/565)
(8) شعب الإيمان:(6/323) برقم (8345)
(9) البيهقي رقم 7992 ، وكنز العمال 44372
(10) ( خرأ ) الخرء بالضم العذرة خرئ خراءة، واسم السلح الخرء انظر لسان العرب
تتمة الموضوع...

اتساع المعاني المختزلة في تركيب الأداة لكن


بقلم : د.زياد حبوب أبو رجائي
        لا يُنظر إلى النص إلا من خلال ما يستهدفه وصولا إلى الفكرة والمقصود؛ وتكثيف ذلك الحس على شكل أدوات لغوية، لذا فإن تذوق قيمة البلاغة في نص ما؛ يعتمد على ما تحتويه بعض الألفاظ من مكنون يختفي خلف حروفها؛ لا يَظهر المرادُ منه إلا بالترابط بين الجملة الواحدة؛ واستخلاص المعنى المقصود وانتزاعه من بين ما خفي؛ سواء في اجتماع تلك الحروف؛ لتكوين كلمة، أو بين اجتماع تلك الكلمات لتكوين جملة. ولا شك ان اختيار اللغة العربية لغة للقران الكريم(1) يمنحها رفعة وسموا، خصوصا مع عالمية الدعوة التي أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم. ولعل ذلك(2)يتكأ على وجودية الحياة التي تتغلغل في الحروف اجتماعا؛ وحيوية الترابط في الجملة الواحدة، وفيما بين الجمل كوحدة موضوعية، وهذه الحيوية هي التي تكون قرينة وصارف يصرف المعنى الى ما هو اهم مما يظهر لمتلقي النص ويشده الى التحيز التام للمعنى المرجو من تآلف تلك الحروف وتراكيبها بحروف قليلة مع اتساع المعنى.
والشاهد في عمارة اللغة مع قلة الحروف واتساعها في المعنى؛ تلك الحروف التي اصطلح -نحويا- على تسميتها بحروف المعاني، وهي حروف مشبهة بالفعل؛ أي: هي التي تختزل -مع قلة حروفها- معان كثيرة داخلها اذا استعملت ضمن الجملة الواحدة، أي: أنها تكون دالة على معنى في غيرها، تنتج في سياق الجملة. فكل تعبير يحمل في طياته دلالة بلاغية.
وقد تكلمنا كثيرا عن الدلالات البلاغية في معرض حديثنا عن جماليات بلاغة القرآن الكريم، وقد شدني في هذه المرة دلالة تنسيب الحكم في ادة -او حرف- "لكن". والحكم الناشئ في النصوص الأدبية من عناصر البلاغة التي يعتمد عليها في الاتصال بين المتلقي والنص.
وكون "لكن" للاستدراك يعني مخالفة حكم ما قبلها لحكم ما بعدها وهذا يستدعي وجود طرفين نقيضين احدهما مثبت والآخر منفي، وهذا هو: قيد الاستدراك؛ وإلا فإنه لا يستقيم استعمالها في وجود توافق بين الحكمين.
ان عظم الأداة اللغوية يكمن فيما تحمله من أسرار جمالية يستهدفها النص للوصول الى الفكرة، فالمحتوى الداخلي للأداة يتحدد من خلال السياق.
لقد ظهر للنحاة باستقراء هذه الاداة - لكن-، انها تختزل مضامين بلاغية تنشأ عن تشبهها بالفعل، واتخاذ لبوسا منه؛ لا ينفك عنها يتجلى في عدة أفعال: - وهذا كما ترى تعبيرا عن دلالة التضمين للأدوات-:
  • استدرك
  • أؤكد
  • أنفي حكم ما قبلها وأثبت حكم جديدا ومخالفا بعدها
  • اعتذر عن بيان قصر في الفهم
  • انسب حكما مناقضا لما جاء قبلها
اتساع المعاني المختزلة في تركيب الأداة "لكن"
  • نفي ورفع ما يتوهم ثبوته وتحققه، وإثبات ما يتوهم نفيه ، أي: رفع توهم تولد من كلام سابق
  • اسْتِدْرَاكُ مَا فَاتَ او ما فـُوّت
  • نقص معنوي ينشأ عن قصر في الفهم والادراك
  • تُثبِت لما بعدها حُكمًا مخالفًا لحكم ما قبلها
  • عطف وتأكيد لما بعدها
فهي -لكن- : حرف مشبه بالفعل من حروف المعاني الرباعية حيث ان أصَلها لاكن فالالف بها تحذف كتابة وخطًّا وتؤكد لفظا وقولا، وقولنا للاستدراك يعني بالضرورة أنه لا يصح بها صدارة الجملة والابتداء بها، كونها حالة تتوسط طرفي نقيض؛ أي: لنفي ما قبلها وتثبيت ما بعدها؛ لذا فإن ما بعدها مترتب على ما قبلها، فلا تقع إلا بين متنافيين؛ أو متغايرين؛ وإن كانت حالة التوافق تجمعهما لم يجز، بإجماع علماء النحو. قال الزمخشري: لكن للاستدراك، توسطها بين كلامين متغايرين، نفياً وإيجاباً. فتستدرك بها النفي بالإيجاب، والإيجاب بالنفي.
وتجد قوة تركيب (لكن) إذا حللناها لأصولها -على اعتبار انها مركبة- فستجد انها اتخذت معان نتيجة من اتحاد عناصر :
  • النفيٍ: ومسوغه عنصر (لا) فهي تنفي اخبارا متقدم
  • تاكيد وتثبيت (النون) بمنزلة (إن) الخفيفة أو الثقيلة(3)، إلا أن الهمزة حذفت منها استثقالاً؛ فهي -إن- تُثبت خبراً متأخراً
لاجتماع ثلاثة معان في كلمة واحدة، ف لا تنفي خبراً متقدماً و، ولذلك لا تكاد تجيء إلا بعد نفي وجحد، مثل قوله جلّ ثناؤه: " وما رمَيْتَ إذا رميتَ ولكنّ الله رمى " .
من أحكامها :
  • لكنْ خفيفة وثقيلة حرف عطف للاستدراك والتحقيق يوجب بها بعد نفي
  • تعمل عمل إن تنصب الاسم وترفع الخبر
  • ويستدرك بها بعد النفي

  • من حيث التركيب:
    • مذهب البصريين: «لكن» بسيطة. وهو حرف نادر البناء، قال ابن يعيش: وألفه أصل،
    • مذهب الكوفيين: «لكن» مركبة وأصلها (إن) وأضيف لها (لا) و (ك) وتم حذف همزة (إن) ، ومسوغ ذلك في مذهبهم دخول اللام في خبره، كما تدخل في خبر إن؛ والشاهد: قول الشاعر : (ولكنني من حبها لعميد)(4)
    • مذهب السهلي : إنها مركبة من (لا) و(كأن)، والكاف للتشبيه، وأن على أصلها. ومسوغ ذلك وقوعها بين كلامين، من نفي لشيء، وإثبات لغيره
  • والخفيفة لا تعمل وتكون حرف ابتداءٍ، خلافا للأخفش، لدخولها بعد التخفيف على الجُملتين: الاسميَّة والفعليَّة.
  • لَكِنْ : الخفيفةً بأصل الوضع، فإن ولِيَها جملةٌ فهي حرفُ ابتداءٍ لمجرد إفادة الاستدراك وليست عاطفة
  • لكنْ : يجوزُ أَن تستعمل مع الواو
  • لَكِنَّ : حرف ناسخ ينصب الاسم ويرفع الخبر، وهو أن تُثبِت لما بعدها حُكمًا مخالفًا لحكم ما قبلها، ولذلك لا بدَّ أَن يتقدَّمها
    • كلامٌ مناقضٌ لما بعدها
    • أو ضدٌّ له
  • قيل: أن الأصل أن تاتي للتوكيد لأنها من أخوات انَّ، ويصحب التوكيد معنى الاستدراك وهذا اختيار ابن عصفور رحمه الله
    قال تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ}
  • قال الفراء: مُرَكَّبة من لكن وأنْ، فطُرِحَت الهمزةُ للتخفيف.
  • إذا اتَّصلت به (ما) الموصولة فلا تكفُّه عن العمل بخلاف (ما) التي تدخل على ان فهي تكف عمل ان وتصبح في معنى الحصر.(5)
  • تتقاطع (لكن) مع الاستثناء المنقطع، اذ تحمل بطياتها استثناءً منقطع وهو: الذي المستثنى فيه ليس من نوع المستثنى منه(للمزيد)
  • حَرْفُ عَطْفٍ، وَتَكُونُ خَفِيفَةً مِنْ أَصْلِهَا، يُعْطَفُ بِهَا بَعْدَ النَّفْيِ وَالنَّهْيِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفُهَا مُفْرَداً وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا الْوَاوُ لِأَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ لاَ يَدْخُلُ عَلَى مِثْلِهِ: "لَمْ أَخْرُجْ صَبَاحاً لَكِنْ مَسَاءً".
    3. حَرْفُ اسْتِدْرَاكٍ : "وَقَفَ الْحَاضِرُونَ لَكِنِ الْخَطِيبُ لَمْ يَقِفْ". وَيُسْتَحْسَنُ دُخُولُ وَاوِ الْعَطْفِ عَلَى "لَكِنْ" الاِسْتِدْرَاكِيَّةِ.

أمثلة مستوحاة معاني اداة لكن:
  • { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم (الأحزاب:5)}
  • {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (البقرة:225)}
  • {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْلِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة:260) }
  • {وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (الرعد:1)}
  • {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِوَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (يونس:104)}
  • {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ (آل عمران:179)}
  • قال رسول الله: (يا أسَدُ بْنَ كُرْزٍ ! لا تدخلُ الجنةَ بعملٍ، ولكن برحمةِ الله، [ قلتُ : ولا أنتَ يا رسول الله ؛ قال: ] ولا أنا؛ إلا أن يتلافاني الله، أو يتغمدني [ الله ] منه برحمةٍ ) (أخرجه البخاري في "التاريخ " (1/2/49) وصححه الالباني في الصحيحة)
  • قال رسول الله: (لا يقوم الرجل للرجل من مجلسه ، و لكن افسحوا يفسح الله لكم )(أخرجه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2 / 483 )
  • عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: قلت يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال:(«لَكِنَّ أَحْسَنَ الجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ»(مسلم:1861)
  • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما منكم من أحد الا وقد وكل به قرينة من الجن وقرينة من الملائكة قالوا وإياك يا رسول الله قال وإياي لكن الله أعانني عليه فاسلم فلا يأمرني الا بخير) رواه أحمد في المسند : 3648 ، 3779 ، 3802 ، 4392 تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم
  • قال صفوان بن عسال عن الرسول أنه كان يأمرنا إذا كنا في سفر - أو مسافرين - أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن ـ إلا من جنابة ـ لكن من غائط وبول ونوم( حسنه الالباني في الإرواء ( 104 )
تطبيق بلاغي:
  • َلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة:251)
أين التذوق الجمالي في الآية الكريمة؟
الفكرة الرئيسية للآية: دفع الناس بعضهم بعضا، أي: دفاع الناس عن انفسهم، وبالتالي دفع أعدائهم وصدهم، فهو دفع للضيم ومقاومة للظلم، فيدفع أهل الباطل بأهل الحق. واذا علمنا أن أصل معنى الدفع: الإزالة بقوة(6)، وعلى أقل تقدير لفعل الدفع هو الإقصاء عن المرام(7) أدركنا أهمية دفع الناس بعضهم بعضا وإلا فالنتيجة كما تقررها الآية الكريمة افساد الارض بغلبة الكفر، وتمكُّن الطغيان، وأهل المعاصي. قال الرازي-رحمه الله: أي لغلب على أهل الأرض القتل والمعاصي ، وذلك يسمى فساداً، وذلك الفهم نشأ بدخول لام التعليل على لفظ فسدت وهي بمعنى كي. {والله لا يحب الفساد }(البقرة:205).
انتهت فكرة الآية! ...
ولكن...
جاءت لتكمل الصورة الصحيحة التي ينبغي للانسان ان يؤمن بها ويعيها -فتامل معي ما يلي:
أولاً: سينشأ عن هذا الكلام توهم ( هذا الحكم )- بخلاف الحقيقة- وحاصله ان الغلبة للاقوى!(8) فلزم أن يُثبّت ما هو ضد ونقيض لتلك الفرية، وقد جاء الاسلوب القرآني في غاية البلاغة اذ بين ذلك في محورين:
  • - باستعمال مصدر نائب عن الفعل والمصدر اسم يدل على حدث مجرد من الزمن(انظر هنا) أي: انّ غَرْسَ هذا الدفع (المقاومة) في الانسان لم ياتِ فور وقوع الظلم بل وضعه الله في الانسان؛ لذلك أسند
    والقصة -المضروبة مثلا- في هذه الآية قصة داوود وجالوت فقد استبد جالوت دهرا من الزمن وقهر بني اسرائيل إلا ان الله -عز وجل- دفع ذلك بداوود عليه السلام وتمكن منه وقتله(9)،والدفع يتبين:
    • الدفع العام المطلق في النفس البشرية:
      • قال ابن عاشور-رحمه الله-: ثم إن الله تعالى كما أودع في الأفراد قوة بها بقاء الأنواع ، أودع في الأفراد أيضاً قوى بها بقاء تلك الأفراد بقدر الطاقة ، وهي قوى تطلُّب الملائم ودفع المنافي ، أو تطلُّب البقاء وكراهية الهلاك ، ولذلك أودع في جميع الكائنات إلى ما فيه صلاحها وبقاؤها(10)
    • الدفع المادي بالاستعداد للاعداء
      قال الله تعالى : وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة
      • قال الشنقيطي -رحمه الله-: وقد بين في مواضع أخر أن مما علمه صنعة الدروع كقوله : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ (الأنبياء:80)}، وقوله تعالى: { وَأَلَنَّا لَهُ الحديد أَنِ اعمل سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السرد (سبأ : 10-11) }.
    • الدفع المعنوي
      • اختيار الآخرة والتخلي عن الدنيا { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ}
      • الدعاء {قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
  • - استعمال (لولا) فلولا حرف امتناع لوجود . أي : امتنع فساد الأرض لأجل وجود دفع الناس بعضهم ببعض.
هل تاملت ذلك؟ أليس هذا فضل من الله على العالمين
اذن: الاستدراك هنا بـ لكن بمثابة: رفع توهم تولد من كلام سابق، ونقص معنوي ينشأ عن قصر في الفهم والادراك ونفي ما قد يثبت لدى المتلقي. وهذا-لا شك- يدخل في حيز أسلوب التوكيد، والتوكيد هنا تنسيب حكما جديدا يناقض ما قد يتوهم او ما قد يفوت بالنقص الادراكي.
الحكم المنسّـب يتجلى في الحجة على خلقه، قال ابن كثير -رحمه الله - في تفسيره:(وقوله: { وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } أي: مَنٌّ عليهم ورحمة بهم، يدفع عنهم ببعضهم بعضا وله الحكم والحكمة والحجة على خلقه في جميع أفعاله وأقواله).
  • لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (النساء:166)
فإنّ الاستدراك تعقيب الكلام برفع ما يُتوهَّم ثبوتُه أو نفيُه . والمعنى : لم يشهد أهلُ الكتاب لكن الله شهد وشهادة الله خير من شهادتهم من قوله :{يسألك أهل الكتاب}(النساء:153).
  • قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (الانعام:33)
قوله : { ولكنّ الظالمين بآيات الله يجحدون } استدراك لدفع أن يتوهّم من قوله : { لا يكذبونك } أنّهم صدّقوا أو أنّهم لم يصدر منهم أصل التكذيب مع أنّ الواقع خلاف ذلك، فاستدرك بأنّهم يجحدون بآيات الله.
والجحد والجحود ، الإنكار للأمر المعروف ، أي الإنكار مع العلم بوقوع ما ينكر ، فهو نفي ما يَعلم النافي ثبوته ، فهو إنكار مكابرة .
  • وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ (النساء:158)
قوله تعالى: ولكن شبه لهم : تنسيب حكم جديد( شبه لهم الصلب ) ونفي حكم قد يتبادر الى الذهن في عملية الصلب من عدمها، أو بمعنى آخر: ليس المقتول و المصلوب هو المسيح و لكن شُبّه لهم أنه المقتول و المصلوب. قال الشوكاني في "فتح القدير": "وقيل: لم يكونوا يعرفون شخصه، وقتلوا الذين قتلوه، وهم شاكون فيه(انظر هنا)
الاستدراك بالمفهوم الاوسع وعلاقته بالشريعة
كون الاستدراك -بالمفهوم العام- نفي واثبات فان ذلك يقتضي الانتباه الى عدم زج عبادات فيما شرع الله، فالعبادات توقيفية، جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم من لدن عليم حكيم، لذلك فان أي زيادة في الدين ستكون قبيحة لأنها تعديل وتجهيل ونقض لصريح قوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}، فالدين قد كمل والنعمة تمت، فصارت الزيادة في دين الله كالنقص منه. وإنها تشريع يضاهى به شرع الله .
فإذا كان الله أكمل الدين وأتم النعمة (أكملت) و (أتممت) فما نحن لنزيد ونعدل، ان هذه من خصائص الله وحده - جل وعلا- كما انه ليست كل زيادة على الخير تكون خيراً، وكثير ما قام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتعليمنا العبادات وأردف ذلك: فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم وتعدى، واكد ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم- إن شر الأمور محدثاتها ، ونهانا عنها بقوله: إياكم ومحدثات الأمور، وتعليل النهى جاء على لسانه صلى الله عليه وسلم : فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة(12) " وفي رواية: " وكل ضلالة في النار . أليس هذا استدراك على الله فيما حرم وتجهيل له فيما شرع وقد أكمل الله لنا الدين
  1. وقد شهد الله -جل وعلا- لنبيه انه بلغ الرسالة وادى الامانة بقوله:
  • { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الانعام:115)
فمن دواعي التمام تضمين دلالة الالتزام بعدم وجود نقص، بل ان ذلك تم بكماله؛ وجاء تاكيد ذلك بقوله (أكملت)
  • قال الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(المائدة:3)
  1. وقد شهد الرسول نفسه بذلك:(ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا شيئاً مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه )(11)
  2. وقال -صلى الله عليه وسلم- « إن الله حد حدودا فلا تعتدوها ، وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وترك أشياء في غير نسيان ، ولكن رحمة لكم فاقبلوها ولا تبحثوا عنها » (13) .

والله أعلم
هذا ما عندي في المسألة سائلا ربي أن ينفع بها
والحمد لله رب العالمين
ومتأسيا بالصحابي الجليل بقوله: إن أصبت فمن الله تعالى وإن أخطأت فمني ومن الشيطان
والله أسأل أن يعفو عني ، ويغفر لي ذنبي
زياد أبو رجائي
31-1-2012

(1) إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف:2)
(2) وهناك خصائص كثيرة للغة العربية منها مرونة تعبيراتها و سعتها من حيث الاشتقاق الصرفي ، و الايجاز .... ولعلنا سنفرد له حلقة خاصة في القريب ان شاء الله
(3) ومما يدلّ على أن النون في لكن بمنزلة إن خفيفةً أو ثقيلة، أنك إذا ثقّلت النون نصبتَ بها وإذا خففتها رفعتَ بها(ينظر:الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس)
(4) ورد هذا القول امام النخاة ابن مالك رحمه الله وقال: لا حجة فيه، لأنه بيت مجهول، لا يعرف له تمام، ولا شاعر، ولا راو عدل يقول: سمعته ممن يوثق بعربيته
(5) والخلاف في هذا مبسوط في كتب النحو فهناك قول من أجاز الإعمال، وجعل ما زائدة ملغاة وهذا اختيار الاخفش ( ينظر:الجنى الداني في حروف المعاني للمرادي)
(6) لسان العرب مادة دفع
(7) تفسير ابن عاشور موضع الآية 251 من سورة البقرة
(8) وقد حصل لبني اسرائيل ذلك الظن: حتى جاء المؤمنون {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة:249)}
ذكر هذا الجزء من الآية بعد قصة النبي داوود وطالوت-عليه الصلاة والسلام وجالوت- الذي كان يخيف بني اسرائي وكيف كان يعيرهم بجبنهم عندما يطلب المبارزة منهم حسب قوانين الحرب في تلك الايام، حتى بلغ ان الروايات تقول انه خرج مع داوود نحو ثلاثة آلاف رجل ولما رأوا جنود جالوت خافوا وهرب أكثرهم للجبال المحيطة بموقع المعركة ولم يبق ويثبت مع النبي داوود حوالي ستمائة رجلا(!) {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} لأنهم ظنوا ان الغلبة للكثرة، والظن مصدر ذلك التوهم.
(9) القصة كما جاءت في التفاسير: وقصة قتله : خرج طالوت لملاقاة جالوت، وكان -جالوت- طوله ستة أذرع وشبراً ، وكان مسلحاً مدرعاً ، وكان لا يستطيع أن يبارزه أحد من بني إسرائيل، بخلاف داود فقد كان صغيراً يرعى غنماً ، فلما حضرت الحرب قال في نفسه : لأذهبن لرؤية هذه الحرب ، فمرَّ في طريقه ، بحجر فناداه : يا داود خُذْني ، فبي تقتل جالوت ، ثم ناداه حجر آخر ثم آخر فأخذها ، وجعلها في مخلاته وسار،
فلما حضر البأس خرج جالوت يطلب البراز ، وكاع الناس عنه، (أي : تأخروا خوفاً)،
قال طالوت : من يبرز له ويقتله فأنا أزوجه ابنتي ، وأُحَكِّمُهُ في مالي
فجاء داود، فقال له طالوت : اركب فرسي وخذ سلاحي، ففعل، وخرج في أحسن شكله، فلما مشى قليلاً رجع! ،
فقال الناس : جَبُنَ الفتى
فقال داود: إن الله سبحانه لم يقتله ولم يُعنـّي عليه، فلم ينفعني هذا الفرس ولا هذا السلاح، ولكني أُحب أن أقاتله على عادتي .
وكان داود من أرمى الناس بالمقلاع (القذافة)، فنزل، وأخذ مخلاته فتقلدها، وأخذ مقلاعه فخرج إلى جالوت، وهو شاكٍ في السلاح،
فقال جالوت : أنت يا فتى تخرج إليّ!
قال : نعم
قال: هكذا كما تخرج إلى كلب!
قال : نعم ، وأنت أهون
قال : لأطعمن لحمك اليوم الطير والسباع
ثم تدانيا فأدار داود فأخذ مقلاعه وأدخل يده إلى الحجارة، فروى أنها التأمت، وصارت حجراً واحداً، فأخذه ووضعه في المقلاع ، وسَمَّى الله ، وأداره ، ورماه ، فأصاب رأس جالوت فقتله ، وجزّ رأسه ، وجعله في مخلاته ، واختلط الناس ، وحمل أصحابُ طالوت فكانت الهزيمة.
(10) وقال: ....وأودع أيضاً في جميع الكائنات إدراكات تندفع بها إلى الذب عن أنفسها ، ودفع العوادي عنها ، عن غير بصيرة ، كتعريض اليد بين الهاجم وبين الوجه... فتتفرع إلى كل ما فيه دفع المنافر من ابتداء بإهلاك من يُتوقع منه الضر، ومقاومة العدو عند توقع الهلاك. ولولا هذه الوسائل التي خولها الله تعالى أفراد الأنواع ، لاشتد طمع القوي في إهلاك الضعيف ، ولاشتدت جراءة من يجلب النفع إلى نفسه على منافع يجدها في غيره ، فابتزها منه ، ولأفرَطتْ أفراد كل نوع في جلب النافع الملائم إلى أنفسها بسلب النافع الملائم لغيرها ، مما هو له ، ولتناسى صاحب الحاجة حين الاحتياج ما في بقاء غيره من المنفعة له أيضاً . وهكذا يتسلط كل ذي شهوة على غيره ، وكل قوي على ضعيفه ، فيهلك القوي الضعيف.
(11) أخرجه الشافعي في الرسالة 87 و 93 والأم 7/ 289 و 299 والبيهقي 7/ 76 والبغدادي في الفقيه والمتفقه 1/ 93 بسند حسن
(12) رواه الإمام أبو داود (4607) وصححه الألباني، وروى الإمام مسلم لفظة: «كل بدعة ضلالة»
(13) حديث حسن أخرجه الدارقطني في " سننه " 4/ 184، والبيهقي في " سننه " 10/ 12 - 13، والخطيب في " الفقيه والمتفقه " من طرق عن داود بن أبي هند، عن مكحول، عن أبي ثعلبة، وهذا سند رجاله ثقات إلا أن مكحولاً لا يصح له سماع من أبي ثعلبة.(انظر هنا)
تتمة الموضوع...