زياد أبو رجائي
قال ابن خلدون رحمه الله في "تاريخه" : إعلم أن الشعر كان ديوانا للعرب فيه علومهم
وأخبارهم وحكمهم وكان رؤساء العرب منافسين فيه وكانوا يقفون بسوق عكاظ لانشاده وعرض
كل واحد منهم ديباجته على فحول الشأن وأهل البصر لتمييز حوله حتى انتهوا إلى
المناغاة في تعليق أشعارهم بأركان البيت الحرام موضع حجهم وبيت إبراهيم كما فعل
امرؤ القيس ابن حجر والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى وعنترة بن شداد وطرفة بن
العبد وعلقمة بن عبدة والاعشى وغيرهم من أصحاب المعلقات السبع فإنه إنما كان يتوصل
إلى تعليق الشعر بها من كان له قدرة على ذلك بقومه وعصبيته ومكانه في مضر على ما
قيل في سبب تسميتها بالمعلقات
قال الامام ابن كثير -رحمه الله- في "البداية والنهاية" : وذلك أن العرب
كانوا إذا عمل أحدهم قصيدة عرضها على قريش فإن أجازوها علقوها على الكعبة تعظيما
لشأنها فاجتمع من ذلك هذه المعلقات السبع فالاولى لامرئ القيس بن حجر الكندي كما
تقدم وأولها: ققا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى بين الدخول فحومل والثانية
للنابغة الذبياني: واسمه زياد بن معاوية ويقال زياد بن عمرو بن معاوية بن ضباب بن
جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض وأولها: يا دار مية
بالعلياء فالسند * أقوت وطال عليها سالف الابد والثالثة لزهير بن أبي سلمى ربيعة بن
رياح المزني وأولها:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم * بحومانة
الدراج فالمتثلم والرابعة لطرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس
بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وأولها: لخولة أطلال ببرقة ثهمد *
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد والخامسة لعنترة بن شداد بن معاوية بن قراد بن مخزوم
بن ربيعة بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس العبسي وأولها: هل غادر الشعراء من متردم
* أم هل عرفت الدار بعد توهم والسادسة لعلقمة بن عبدة بن النعمان بن قيس أحد بني
تميم وأولها: طحا بك قلب في الحسان طروب * بعيد الشباب عصر حان مشيب والسابعة -
ومنهم من لا يثبتها في المعلقات وهو قول الاصمعي وغيره - وهي للبيد بن ربيعة ابن
مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن
منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر وأولها: عفت الديار محلها فمقامها *
بمنى تأبد غولها فرجامها فأما القصيدة التي لا يعرف قائلها فيما ذكره أبو عبيدة
والاصمعي والمبرد وغيرهم فهي قوله: هل بالطلول لسائل رد * أم هل لها بتكلم عهد وهي
مطولة وفيها معان حسنة كثيرة.
اذن هي
قصائد جاهليّة برزت فيها خصائص
الشعر الجاهلي بوضوح ،
فامتازت بالطول
والجودة والفصاحة الواضحة ، والاسلوب القوي وقوة العبارة وزجالتها ،
وهي
قصائد نفيسة امتدت
من غزل
امرئ القيس ، وحماس
المهلهل ، وفخر ابن كلثوم .
وأجمع الرواة على
انها سبعة ، وزاد بعضهم ثلاثة لتصبح عشر .وهم : الاعشى والنابغة الذيباني وعبيد بن
الابرص.
واختلف في
تسميتها بالمعلقات على أقوال
لأنّهم
استحسنوها وكتبوها
بماء الذهب وعلّقوها على الكعبة ، وهذا ما ذهب إليه ابن عبد ربّه في
العقد الفريد ،
وابن رشيق وابن خلدون وغيرهم ، يقول صاحب العقد الفريد : « وقد بلغ
من كلف العرب به
)أي
الشعر) وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تخيّرتها من الشعر القديم ، فكتبتها
بماء الذهب في القباطي المدرجة ، وعلّقتها بين أستار الكعبة ، فمنه
يقال : مذهّبة
امرئ القيس ، ومذهّبة
زهير ، والمذهّبات سبع ، وقد يقال : المعلّقات ،
ففي العقد الفريد
ذهب ابن عبد ربّه ومثله ابن رشيق
والسيوطي
وياقوت
الحموي وابن الكلبي وابن خلدون ،
وغيرهم إلى أنّ المعلّقات سمّيت بذلك; لأنّها كتبت
في القباطي بماء الذهب وعلّقت على أستار الكعبة .
وقيل معلقة في القلوب والأذهان لجودتها وحسن وقوة اسلوبها ، وقيل انها علقت بالرقاب
كالدر.
بخلاف
أبو
جعفر النحّاس ، حيث ذكر أنّ حمّاداً
الراوية هو الذي جمع السبع الطوال ، ولم يثبت من أنّها كانت معلّقة
على الكعبة ،
نقل ذلك عنه ابن الأنباري
.
فكانت هذه
الفكرة
أساساً لنفي
التعليق :
كما أن
هناك شواهد أخرى
تؤيّد أن التعليق على الكعبة وغيرها ـ كالخزائن والسقوف والجدران
لأجل محدود أو غير
محدود ـ كان أمراً مألوفاً عند العرب ، فالتاريخ ينقل لنا أنّ
كتاباً كتبه أبو قيس
بن عبد مناف بن زهرة في حلف خزاعة لعبد المطّلب ، وعلّق هذا الكتاب
على الكعبة .
كما أنّ
ابن هشام يذكر أنّ قريشاً
كتبت
صحيفة عندما اجتمعت على بني هاشم وبني المطّلب وعلّقوها في جوف
الكعبة توكيداً على
أنفسهم
.
ويؤيّد
ذلك أيضاً ما رواه
البغدادي في خزائنه
من
قول
معاوية : قصيدة
عمرو بن كلثوم
وقصيدة الحارث بن حِلزه من مفاخر العرب كانتا معلّقتين بالكعبة
دهراً .
وذكر
ابن الكلبي : أنّ أوّل ما علّق هو شعر امرئ القيس على ركن من أركان الكعبة
أيّام الموسم حتّى نظر إليه ثمّ اُحدر ، فعلّقت الشعراء ذلك
بعده .
ومنهج القصيدة في المعلقات يظهر بوضوح في تعدد الأغراض تبدأ بالغزل وبكاء الأطلال ،
ثم تنتقل إلى الوصف ، ثم إلى الغرض الذي يقصده الشاعر ، وقد تختم بالحكم .
1- معلقة
الحارث بن حلزة
آذَنَتنَـا بِبَينهـا أَسـمَــاءُ
رُبَّ ثَـاوٍ يَمَـلُّ
مِنهُ الثَّـواءُ
بَعـدَ عَهـدٍ لَنا
بِبُرقَةِ شَمَّـاءَ
فَأَدنَـى دِيَـارِهـا
الخَلْصَـاءُ
2-
معلقة امرؤ القيس
قِفَا نَبْكِ مِنْ
ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى
بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْراةِ
لَمْ يَعْفُ رَسْمُها
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ
جَنُوبٍ وشَمْألِ
3-
معلقة زهير بن أبي سلمى
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى
دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ
بِحَـوْمَانَةِ
الـدُّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّـمِ
وَدَارٌ لَهَـا
بِالرَّقْمَتَيْـنِ كَأَنَّهَـا
مَرَاجِيْعُ وَشْمٍ فِي
نَوَاشِرِ مِعْصَـمِ
4-
معلقة طرفة بن العبد
لِخَـوْلَةَ أطْـلالٌ
بِبُرْقَةِ ثَهْمَـدِ
تلُوحُ كَبَاقِي
الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ
وُقُـوْفاً بِهَا
صَحْبِي عَليَّ مَطِيَّهُـمْ
يَقُـوْلُوْنَ لا
تَهْلِكْ أسىً وتَجَلَّـدِ
5-
معلقة عمرو بن كلثوم
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ
فَاصْبَحِيْنَـا
وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ
الأَنْدَرِيْنَـا
مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ
الحُصَّ فِيْهَـا
إِذَا مَا المَاءَ
خَالَطَهَا سَخِيْنَـا
6-
معلقة عنترة بن شداد العبسي
هَلْ غَادَرَ
الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ
أم هَلْ عَرَفْتَ
الدَّارَ بعدَ تَوَهُّـمِ
يَا دَارَ عَبْلـةَ
بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي
وَعِمِّي صَبَاحاً دَارَ
عبْلةَ واسلَمِي
7-
الحارث بن حلزة اليشكري
آذَنَتنَـا بِبَينهـا
أَسـمَــاءُ
رُبَّ ثَـاوٍ يَمَـلُّ
مِنهُ الثَّـواءُ
بَعـدَ عَهـدٍ لَنا
بِبُرقَةِ شَمَّـاءَ
فَأَدنَـى دِيَـارِهـا
الخَلْصَـاءُ