زياد أبو رجائي
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ
فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ( النساء: 88 )
قد اختلف النحويون في انتصاب فئتين ،
- البصريون فقال الأخفش على
الحال ، وهذا قول سيبويه . الحال من ضمير { لَكُمْ } المجرور والعامل فيه
الاستقرار ، أو الظرف لنيابته عنه ، وهذه الحال لازمة لا يتم الكلام بدونها كقولك :
مالك قائماً أي مالك في حال القيام . لأنه في الأصْل صفةٌ لها ، تقديرُه : فئتين
مُفْترِقَتَيْن في المُنَافِقِين ، وصفةُ النكرة إذا قُدِّمت عليها ، انتصبَتْ
حَالاً ، ومثله : { فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ } [ المدثر : 49 ] ،
وكما في قوله تعالى : { فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ }
وخلاصة قول البصريين : دلالة
كَوْنِهِ حالاً هو : التزامُ مَجِيئه في هذا التَّركِيب نَكِرةً ، وهذا كما
قالُوا في « ضَرْبِي زَيْداً قَائِماً » : إنَّ « قائماً » لا يجُوز نصبُه على
خَبَر « كان » المُقَدَّرةِ ، بل على الحَالِ؛ لالتزامِ تَنْكيره ، كما هو شأنُ
صفاتِ النكراتِ على الإطلاق .
- الكوفيون انتصابه على أنه خبر لكان
، وهي مضمرة ، والتقدير : فما لكم في المنافقين كنتم
فئتين ، أو صرتم ، وهذا الفعل المقدر ينصب عندهم النكرة والمعرفة ، كما نقول ما لك
الشاتم لزيد ، وخطأ هذا القول الزجّاج ، لأن المعرفة لا تكون حالاً .
والمعنى : أي شيء لكم في الاختلاف في
أمرهم ، وهو استفهام على سبيل الانكار ، اي لم تختلفون في كفرهم مع أن دلائل كفرهم
ونفاقهم ظاهرة جلية ، فليس لكم أن تختلفوا فيه بل يجب أن تقطعوا بكفرهم
ومعنى الافتراق مستفاد من {
فِئَتَيْنِ } وقد رجح الإِمام ابن جرير سبب النزول الذى حكته الرواية الثانية فقال
ما ملخصه : وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآية فى اختلاف
أصحاب رسول الله فى قوم كانوا قد ارتدوا عن الإِسلام بعد إسلامهم من أهل مكة .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن قوله - تعالى - بعد ذلك { فَلاَ تَتَّخِذُواْ
مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حتى يُهَاجِرُواْ } أوضح دليل على أنهم كانوا من غير أهل
المدينة ، لأن الهجرة كانت على عهد الله إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر .
قال السعدي - رحمه الله - : المراد
بالمنافقين المذكورين في هذه الآيات: المنافقون المظهرون إسلامهم، ولم يهاجروا مع
كفرهم، وكان قد وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم فيهم اشتباه، فبعضهم تحرج عن
قتالهم، وقطع موالاتهم بسبب ما أظهروه من الإيمان، وبعضهم علم أحوالهم بقرائن
أفعالهم فحكم بكفرهم. فأخبرهم الله تعالى أنه لا ينبغي لكم أن تشتبهوا فيهم ولا
تشكوا، بل أمرهم واضح غير مشكل، إنهم منافقون قد تكرر كفرهم، وودوا مع ذلك كفركم
وأن تكونوا مثلهم. فإذا تحققتم ذلك منهم { فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ }
وهذا يستلزم عدم محبتهم لأن الولاية فرع المحبة.
ويستلزم أيضا بغضهم وعداوتهم لأن النهي عن الشيء أمر بضده، وهذا الأمر موقت بهجرتهم فإذا هاجروا جرى عليهم ما جرى على المسلمين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجري أحكام الإسلام لكل مَنْ كان معه وهاجر إليه، وسواء كان مؤمنا حقيقة أو ظاهر الإيمان.
وأنهم إن لم يهاجروا وتولوا عنها { فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } أي: في أي وقت وأي محل كان، وهذا من جملة الأدلة الدالة على نسخ القتال في الأشهر الحرم، كما هو قول جمهور العلماء، والمنازعون يقولون: هذه نصوص مطلقة، محمولة على تقييد التحريم في الأشهر الحرم.
ويستلزم أيضا بغضهم وعداوتهم لأن النهي عن الشيء أمر بضده، وهذا الأمر موقت بهجرتهم فإذا هاجروا جرى عليهم ما جرى على المسلمين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجري أحكام الإسلام لكل مَنْ كان معه وهاجر إليه، وسواء كان مؤمنا حقيقة أو ظاهر الإيمان.
وأنهم إن لم يهاجروا وتولوا عنها { فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } أي: في أي وقت وأي محل كان، وهذا من جملة الأدلة الدالة على نسخ القتال في الأشهر الحرم، كما هو قول جمهور العلماء، والمنازعون يقولون: هذه نصوص مطلقة، محمولة على تقييد التحريم في الأشهر الحرم.