الحمد لله المستحق لغاية المحامد نحمده على عظيم احسانه واكرامه لنا بشامل النعم التي تعمنا والتي أعظمها هي شرف الرسالة والتكليف والصلاة والسلام على أشرف الخلق عبدالله ورسوله المصطفى الأمين محمد بن عبدالله الهادي البشير النذير وعلى آل بيته الطيبين وعلى الصحب الميامين ومن اهتدى بهديهم الى يوم الدين
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق؛ وألحقتُ بذلك الادلة والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم جمعا بين النصوص او الترجيح بينها وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها مخالفا الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم ....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي

إلزام الألف للمثنى بغض النظر عن موضعه الإعرابي


بقلم : د.زياد حبوب أبو رجائي
زياد أبو رجائي
لقد ذكر في القرآن الكريم نموذجاً لحديثنا هذا ، يدور حول لغة من لغات العرب التي اشتهرت على خلاف لغة قريش في النحو ،لغة من يجعل المثنى بالألف سواء كان مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا . ولا غرابة في ذلك كما قلنا مراراً وتكراراً فهذا لا يعيب علم النحو ، وذلك أن هذه لغة متداولة ويعرفها أهل قريش تماماً بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملها في أحاديثه ([1])
1- « عن سلمة بن الأكوع قال :«خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر فتسيرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا...........وإن له لأجران »([2]) ، قال النووي في شرحه هذا الحديث :« هكذا هو في معظم النسخ ( لأجران ) بالألف وفي بعضها ( لأجرين ) بالياء ، وهما صحيحان ، لكن الثاني هو الأشهر الأفصح والأول لغة أربع قبائل من العرب»
2- وقد ثبت عن ابن عمر أنه قال :«بعث النبي صلى الله عليه و سلم سرية وأنا فيهم قِبل نجْدٍ ، فغنموا إبلاً كثيرةً ، فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا »([3])
قال النووي في شرحه مسلم : « هكذا هو في أكثر النسخ « اثنا عشر» وفي بعضها « اثني عشر » وهذا ظاهر ، والأول أصح على لغة من يجعل المثنى بالألف ، سواء كان مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا ، وهي لغة أربع قبائل من العرب ، وقد كثرت في كلام العرب ، ومنها قوله تعالى : { إن هذان لساحران }».
3- عن عبد الرحمن بن أبى بكر أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء ، وأن النبى - صلى الله عليه وسلم – قال : « من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ....... ففرقنا اثنا عشر رجلا ، مع كل رجل منهم أناس ، الله أعلم كم مع كل رجل فأكلوا منها أجمعون »([4])
قال الحافظ ابن حجر : « على طريق من يجعل المثنى بالرفع في الأحوال الثلاثة ومنه قوله تعالى »
ومن القرآن الكريم :
[قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى] {طه:63}
موقف القراءات في الآية :
1- ابن كثير المكي
(إِنْ هَذَآنِّ) بإسكان النون الأولى وبألف بعد الذال وتشديد النون الأخيرة
2- عاصم الكوفي برواية حفص
(إِنْ هَذَانِ) بإسكان النون الأولى وبألف بعد الذال وبتخفيف النون الأخيرة
وشارك كل من الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن من قرأ « إنْ هذان » بتخفيف وتسكين حركة «إنْ » في قراءة ابن كثير المكي و عاصم الكوفي برواية حفص .وهذه القراءة سلمت من فساد الاعراب، ويكون معناها ما هذان إلا ساحران.
3- أبو عمرو بن العلاء
(إِنَّ هَذَيْنِ) بتشديد النون الأولى مفتوحة وبياء ساكنة بعد الذال وبتخفيف النون الأخيرة .
لقد قرأ أبو عمرو « إنَّ هذيْن لساحران »
ورويت عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة، وكذلك قرأ الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وغيرهم من التابعين، ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري، فيما ذكر النحاس.
وهذه القراءة موافقة للاعراب على نحو ما اشتهر من قواعد النحوية حيث اسم إنَّ وأخواتها يكون منصوبا ً وخبرها مرفوعاً
4- نافع المدني وابن عامر الدمشقي وحمزة الكوفي والكسائي الكوفي وأبو جعفر و يعقوب و خلف العاشر وعاصم الكوفي برواية شعبة
(إِنَّ هَذَانِ) بتشديد النون الأولى مفتوحة وبألف بعد الذال وبتخفيف النون الأخيرة
هنا مكمن الإشكال في رواية الجمهور فهذه القراءة من القراءات السبعية على خلاف مع القواعد النحوية ، فقراءة نافع المدني وابن عامر الدمشقي وحمزة الكوفي والكسائي الكوفي وأبو جعفر و يعقوب و خلف العاشر وعاصم الكوفي برواية شعبة التي رفعت اسمها على غير ما جرت عليه القاعدة !وقرأ المدنيون والكوفيون: « إن هذان » بتشديد « إنّ » فوافقوا المصحف وخالفوا الاعراب.
ورد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على من قال ان هناك خطأ في كتابة هذه الآية بقوله :« " وهذا الكلام ممتنع لوجوه: منها: تعدد المصاحف واجتماع جماعة على كل مصحف، ثم وصول كل مصحف إلى بلد كبير فيه كثير من الصحابة والتابعين يقرءون القرآن، ويعتبرون ذلك بحفظهم، والإنسان إذا نسخ مصحفا غلط في بعضه عرف غلطه بمخالفة حفظة القرآن وسائر المصاحف، فلو قدر أنه كتب كاتب مصحفا ثم نسخ سائر الناس منه من غير اعتبار للأول والثاني أمكن وقوع +الغلظ في هذا، وهنا كل مصحف إنما كتبه جماعة، ووقف عليه خلق عظيم ممن يحصل التواتر بأقل منهم، ولو قدر أن الصحيفة كان فيها لحن فقد كتب منها جماعة لا يكتبون إلا بلسان قريش، ولم يكن لحنا، فامتنعوا أن يكتبوه بلسان قريش، فكيف يتفقون كلهم على أن يكتبوا: «إن هذان» وهم يعلمون أن ذلك لحن لا يجوز في شيء من لغاتهم، كما زعم بعضهم؟!... وأيضا: فإن القراء إنما قرأوا بما سمعوه من غيرهم، والمسلمون كانوا +يقرءون سورة "طه" على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وهي من أول ما نزل من القرآن، وهي مكية باتفاق الناس. . فالصحابة لابد أن قرءوا هذا الحرف، ومن الممتنع أن يكونوا كلهم +قرءوه بالياء كأبي عمرو، فإنه لو كان كذلك لم يقرأها أحد إلا بالياء فعلم أنهم أو غالبهم كانوا يقرءونها بالألف كما قرأها الجمهور. . . فهذا مما يعلم به قطعا أن عامة الصحابة إنما قرءوها بالألف كما قرأ الجمهور، وكما هو مكتوب. . . »([5])
قال النحاس: فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الائمة،
وكعادة النحاة عندما لا يوافق ما جاء في القرىن ما ذهبوا إليه - فقد تأولوا ذلك على وجوه :
1 - أنها لغة بالحارث بن كعب وزبيد وخثعم وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالالف،فقولون: جاء الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان.ويقولون: كسرت يداه وركبت علاه، بمعنى .
قال أبو جعفر النحاس: وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية، إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته، منهم أبو زيد الانصاري، وهو الذي يقول: إذا قال سيبويه حدثني من أثق به فإنما يعنيني، وأبو الخطاب الاخفش وهو رئيس من رؤساء اللغة، والكسائي والفراء كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بن كعب.
وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أن هذه لغة بني كنانة.
المهدوي: وحكى غيره أنها لغة لخثعم.
قال النحاس ومن أبين ما في هذا قول سيبويه: وأعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين، الاولى منهما حرف مد ولين وهو حرف الاعراب، قال أبو جعفر فقول سيبويه: وهو حرف الاعراب، يوجب أن الاصل ألا يتغير، فيكون " إن هذان " جاء
2-أن يكون " إن " بمعنى نعم وأجل ، كما حكى الكسائي عن عاصم قال: العرب تأتي بـ « إن» بمعنى نعم، وحكى سيبويه أن " إن " تأتي بمعنى أجل، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسمعيل بن إسحق القاضي يذهبان، قال النحاس في« إعراب القرآن»: ورأيت أبا إسحق الزجاج وعلي بن سليمان يذهبان إليه.وقال الزمخشري: وقد أعجب به أبو إسحق الزجاج ، روى أن أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرمه، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، أي نعم. قال أبو حيان: ثبت ذلك في اللغة، فتحمل الآية عليه، و«هذان لساحران» مبتدأ وخبر ([6])
3- قاله بعض الكوفيين قال الالف في " هذان " مشبهة بالالف في يفعلان فلم تغير.
4- قال أبو إسحق: النحويون القدماء يقولون الهاء ها هنا مضمرة، والمعنى إنه هذان لساحران، قال ابن الانباري: فأضمرت الهاء التي هي منصوب ، والتقدير : إنه هذان لهما ساحران.والاشبه عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم « إن » و « هذان » رفع بالابتداء وما بعده خبر الابتداء.([7])


[1] ) ) وهذه اللغة وافقتها لغة قريش. وانظر بالتفصيل والشواهد الشعرية في : تفسير الطبري: 16 / 180 - 181، والبحر المحيط: 6 / 255، زاد المسير لابن الجوزي: 5 / 298، التبيان في إعراب القرآن للعكبري: 2 / 895.
[2] ) صحيح البخاري 2477 ، 4196 ، 5497 ، 6331 ، 6891 - تحفة 4542 - 44/8 ومسلم 4779
[3] ) صحيح مسلم
[4] ) البخاري : ، 6140 ، 6141 - تحفة 9688 - 157/1 ، صحيح مسلم 5486
[5] ) مجموع الفتاوى: 15 / 252 – 256، زاد المسير: 5 / 251 - 252.
[6] ) وانظر زاد المسير: 5 / 399.
[7] ) ) انظر : التبيان في إعراب القرآن، للعكبري: 2 / 895، البحر المحيط، 6 / 255