زياد أبو رجائي
عدم جواز مجيء اسم مرفوع بعد أداة الشرط لو
من المتعارف عليه أن أداة « لو » حرف يختص بالأفعال ، ولا يجوز عند النحاة أن يليه الأسماء بل لا يليها إلا فعل ، قال ابن مالك في ألفيته :
لو حرف شرط في مضي ويقل إيلاؤه مستقبلاً لكن قبل
وهي في الإختصاص بالفعل كإنْ لكن لو أن بها قد تقترن
ويجب أن يليها الفعل ماضياً في الأكثر أو مضارعاً في اعتبارات معينة ، لكن القاعدة تصطدم بما جاء في القرآن الكريم في سورة الإسراء :100 :
[قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا]
وحسب ما وضعوه من قواعد : يفترض أن تكون : لو تملكون أنتم ، وكثير ما يأتي في القرآن الكريم بخلاف القواعد التي وضعها النحاة ، ويصطدم هؤلاء بالقاعدة التي بنوها على لفظ من شعر أو في نثر ؛ جعلوه في اللغة وقطعوا به ولم يعترضوا عليه ، لكنهم كما يقول ابن حزم رحمه الله : إذا وجد هؤلاء النحاة في القرآن الذي هو كلام الله كلاما يصطدم يقواعدهم هذه لم يجعلوه حجة ، بل أن كثيراً منهم طعنوا في القرءات المتواترة وجعلوه إما لحناً من القارئ أو الراوي وإما أسندوه إلى إرادة الراوي في قراءته ، فيزعمون أن نافعاً أراد ذلك ؛ ومنها : لحن أبو عمرو في هذا الموضع ، أو عدوه ضرورة أو شذوذاً ، ونسوا أن ذلك طعناً في أمور متواترة التي أجمع عليها المسلمون ، وما جاء خلافاً لقاعدتهم لجأوا إلى تأويله.
ومثال ذلك مدار بحثنا هذا حول قوله تعالى : «لو أنتم» ، ، فإعراب أنتم في الآية يجب أن يكون مبتدأ إلا أنها صرفت عن هذا التقدير لوجود أداة لو الشرطية ، فإن لو أداة شرط من لوازمها ألا يأتي بعدها الأسماء([1]) ولا يجوز أن يليها إلا الأفعال ، وهذا اختيار سيبويه وتابعه الزجاج والنحاس
لذلك قالوا في تقدير إعرابها :
1-اضمار فعل بعد لو والشاهد هنا فعل «تملكون» والمعنى : لو تملكون أنتم تملكون ، أي : «أنتم »: بدل من واو الجماعة المتصل بتملكون قاله صاحب الكشاف الزمخشري ، وتقدير المعنى : لو تملكون تملكون ، فحينما حذف الفعل الأول الذي يلي« لو» جيء بالضمير المنفصل بدلاً من الضمير المتصل وتعليله أنه جيء بذلك لسقوط ما يتصل به من اللفظ ، وعليه فإن «أنتم» فاعل الفعل المضمر تملكون وهذا اختيار ابن الحاجب([2]) والعكبري([3]) ، وابن عطية والرازي والبيضاوي والشوكاني في تفاسيرهم ، وعلى ما ذهب إليه الحوفي وأبو البقاء نقله الألوسي في تفسيره روح المعاني. وهذا اختيار الشيخ الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان
وفائدة الحذف والتفسير على ما قيل الإيجاز فإنه بعد قصد التوكيد ، لو قيل تملكون تملكون لكان إطناباً وتكراراً بحسب الظاهر ، والمبالغة لتكرير الإسناد أو لتكرير الشرط فإنه يقتضي تكرر ترتب الجزاء عليه والدلالة على الاختصاص وذلك بناءً على أن { أَنتُمْ } بعينه ضمير { تَمْلِكُونَ } المؤخر فهو في المعنى فاعل مقدم وتقديم الفاعل المعنوي يفيد الاختصاص إذا ناسب المقام فيفيد الكلام حينئذٍ ترتب الإمساك([4])
2- تقدير الفعل الناقص ( كنتم ) ، قاله أبو حيان في البحر المحيط أي: «قل لو كنتم تملكون» ، واختاره ونسبه إلى نحاة العربية وقال : « حذف (كان) بعد« لو» معهود في لسان العرب . ومثال ذلك في القرآن :[قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ ] {الإسراء:95}
لذلك ، الأجود أن تكون القاعدة على مقتضى الآية الكريمة وتنص :
أداة «لو» خاصة بالفعل ، وقد يليها اسم مرفوع معمول لفعل محذوف يفسره ما يليه. وهذا اختيار السيوطي نقل في كتاب همع الهوامع([5])، أو يليها اسم منوب أو خبر كان محذوف أو اسم في الظاهر مبتدأ وما بعده خبر ، وهذا لا يجب أن يكون من الضرورات أو النوادر ، كما قال به أبو الحسن بن الصائغ وغيره([6]) بل يكون في فصيح الكلام ، والحق أن العرب فرقوا في الاستعمال بين لو الشرطية وإنْ الشرطية .
وحقيق على الله خالق اللغات أن يأتي بذلك ، وهذا يؤذن بمعنى قصده القرآن الكريم من تسليط الضوء على الفاعل دون الفعل ، وللتقديم والتأخير أهمية و حكمة معروفة في لسان العرب . فإذا أوقعوا الاسم بعدها في الكلام وأخروا الفعل عنه فإنما يفعلون ذلك لقصدٍ بليغ كالتقوية أو الإختصاص للمقدم عما أخر ، لأن إيراد الكلام في صورة المبتدأ والخبر دلالة على أنهم هم المختصون بالشحّ ،فالتقريع واضح في الآية بقرينة قوله: «وكان الإنسان قتوراً» أي : الشديد البخل وهو التضييق في الإنفاق. ومع انها لا تنفد لارتباطها وصفاً بخزائن رحمة الله تعالى إلا أن ذلك من طبائع وسجايا الإنسان كما نقل ابن كثير رحمه الله في تفسيره عن ابن عباس وقتادة بنحو ذلك المعنى ، أي: بخيلاً منوعاً . فبين الله تعالى أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله لبقوا على بخلهم وشحهم وخشية الإنفاق تُحمل على خشية النفاد ! وهذا ما ذهب إليه العلامة السعدي في تفسيره . ولهذا نظائر كثيرة في القرآن الكريم : [أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا] {النساء:53} وقوله تعالى : [وَإِذَا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا] {المعارج:21} ولفظ الخير إذا جاء في القرآن حُمل على المال على أكثر أقوال المفسرين .